أُصولاً، ومهدوا له أسباباً تدعو إلى قبوله وهي أنواع:
فصل: السبب الأول: أن يأتي به صاحبه مموهاً مزخرف الألفاظ ملفق المعاني مكسواً حُلَّة الفصاحة والعبارة الرشيقة، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه وتبادر إلى اعتقاده وتقليده، ويكون حاله في ذلك حال من يعرض سلعة مموهة مغشوشة على من لا بصيرة له بباطنها وحقيقتها، فيحسنها في عينه ويحببها إلى نفسه، وهذا الذي يعتمده كل من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته.
فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول فيغتر به الأغمار وضعفاء العقول، فذكر السبب الفاعل والقابل ثم ذكر [سبحانه] انفعال هذه النفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به؛ لما كسي من الزخرف الذي يغر السامع، فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولاً وعملاً، فتأمل هذه الآيات وما تحتها من هذا المعنى العظيم القدر الذي فيه بيان أُصول الباطل والتنبيه على مواقع الحذر منها وعدم الاغترار بها، وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات وتخيروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة - وأكثر الخلق كذلك - حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع ويميل إليها الطبع فيسمون أُم الخبائث: أُم الأفراح، ويسمون اللقمة الملعونة: لقيمة الذكر والفكر التي تثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن، ويسمون مجالس الفجور والفسوق: مجالس الطيبة، حتى