إن بعضهم لما عذل عن شيء من ذلك قال لعاذله: ترك المعاصي والتخوف منها إساءة ظن برحمة الله وجرأة على سعة عفوه ومغفرته. فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلب ممتلئ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة؟
فصل: السبب الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماء، فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولاً إلى القلوب وأشدها نفرة عنها فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ فيسمى التدين: ثقالة، وعدم الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطَّالين: سوء خلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحميّة لدينه: فتنة وشراً وفضولاً، فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل، فيسمون إثبات صفات الكمال لله: تجسيماً وتشبيهاً وتمثيلاً، ويسمون إثبات الوجه واليدين له: تركيباً، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته: تحيزاً وتجسيماً، ويسمون العرش: حيزاً وجهة، ويسمون الصفات: أعراضاً، والأفعال: حوادث، والوجه واليدين: أبعاضاً، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها: أغراضاً، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوا، فقالوا للأغمار والأغفال: اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض، والأغراض، والأبعاض، والجهات، والتركيب، والتجسيم والتشبيه، فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الربّ تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته: أعراضاً، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين: أبعاضاً، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده: تحيزاً، وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بقدرته ومشيئته إذا شاء،