من عدو الله مأخذها. فقال: أتقولون هذا لكبير قريش؟ ودخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال:((لعلك أغضبتهم يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك)) أو كما قال. قال: فخرج عليهم أبو بكر فقال لهم: يا إخواني! أغضبتكم؟ قالوا: يغفر الله لك يا أبا بكر. فهؤلاء كان غضبهم لله.
وفي صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليَّ عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن اسعاذني لأُعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه)) .
فهذا المؤمن الذي تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض أحبه الله؛ لأنه فعل ما أحبه الله، والجزاء من جنس العمل، قال الله تعالى:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ، وفي الحقيقة فالعبد الذي يرضى الله لرضاه، ويغضب لغضبه، هو يرضى لرضا الله، ويغضب لغضب الله، وليكن هذان مثالان: فمن أحب ما أحب الله وأبغض ما أبغض الله، ورضي ما رضي الله لما يرضي الله، ويغضب لما يغضب - الله -؛ لكن هذا لا يكون للبشر على سبيل الدوام، بل لابد لأكمل الخلق أن يغضب أحياناً غضب البشر، ويرضى رضا البشر.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:((اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربه تقربه إليك يوم القيامة)) . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر:((لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)) . في قضية معينة؛ لكون غضبه لأجل أبي سفيان، وهم كانوا يغضبون لله، وإلا فأبو بكر أفضل من ذلك،