وأي شيء نفع أهل البدع والضلال تسمية شبههم الداحضة عند ربهم، وعند أهل العلم والدين والإيمان: عقليات وبراهين، وتسمية كثير من المتصوفة الخيالاتِ الفاسدة والشطحات: حقائق؟
فصل: ومما يوضح ما ذكرناه - من أن القصود في العقود معتبرة دون الألفاظ المجردة التي لم تقصد بها معانيها وحقائقها أو قصد غيرها - أن صيغ العقود كبعت واشتريت وتزوجت وأجرت إما إخبارات وإما إنشاءات، وإما أنها متضمنة للأمرين، فهي إخبارات عما في النفس من المعاني التي تدل على العقود، وإنشاءات لحصول العقود في الخارج؛ فلفظها موجِبٌ لمعناها في الخارج؛ وهي إخبار عمَّا في النفس من تلك المعاني، ولابد في صحتها من مطابقة خبرها لمخبرها، فإذا لم تكن تلك المعاني في النفس كانت خبراً كاذباً، وكانت بمنزلة قول المنافق: أشهد أن محمداً رسول الله، وبمنزلة قوله: آمنت بالله وباليوم الآخر، وكذلك المحلل إذا قال: تزوجت، وهو لا يقصد بلفظ التزوج المعنى الذي جعله الله في الشرع، كان إخباراً كاذباً وإنشاءاً باطلاً؛ فإنا نعلم أن هذه اللفظة لم توضع في الشرع، ولا في العرف، ولا في اللغة لمن قصد ردِّ المطلَّقة إلى زوجها، وليس له قصد في النكاح الذي وضعه الله بين عباده وجعله سبباً للمودة والرحمة بين الزوجين، وليس له قصد في توابعه حقيقة ولا حكماً، فمن ليس له قصد في الصحبة ولا في العشرة ولا في المصاهرة ولا في الولد ولا في المواصلة ولا المعاشرة ولا الإيواء، بل قصده أن يفارق لتعود إلى غيره؛ فالله جعل النكاح سبباً للمواصلة والمصاحبة، والمحلل جعله سبباً للمفارقة، فإنه تزوج ليطلق؛ فهو مناقض