الطائفة التي حظها من المعارف الحقة قليل أو معدوم. ألا ترى أن المصريين مع ما كان في كهنتهم من العلوم الحكمية لم تخل عامتهم من الإيمان بأوهام خرافية؟ وكذلك الحال في اليونان؛ إذ لم يكن لغالب أساطين العلم في هؤلاء وأولئك دعوة إلى إصلاح التفكير والاعتقاد في العامة إلا نادراً، مثل ما كان من سقراط بطريقته الوعظية والتمثيلية، وديو جينوس بطريقته التهكمية؛ بل كان غالبهم يقتصر من علمه على التعليم الخاص.
على هذا السنن كان شأن العرب في جاهليتهم فقد تعلقوا بأوهام باطلة ابتكرتها تخيلاتهم، أو وضعها لهم أهل الدهاء من المتطلعين إلى التفوق والزعامة في القبائل، فيرسمون لهم رسوماً ويخيلون لهم أنها معارف استأثروا بها؛ ليجعلوا أنفسهم مرجعاً يرجع إليه الأقوام، فانطوت بهم عصور في ضلالة حتى إذا استيقظوا منها في القيامة قالوا: ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً. وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عمرو بن لحي - جد خزاعة - أنه يجر قصبة في النار؛ لأنه أول من بحَّر البحيرة وسيَّب السائبة وحمى الحامي ووصل الوصيلة ودعا الناس إلى عبادة الأصنام. كان العرب قد أعدوا لأنفسهم علوماً وهمية، منها: الطيرة - الفال - والزجر - والعيافة - والرقى - والسلوات - وكذبوا تكاذيب أشاعوها بين الناس، من دعوى تعرض الغول لهم في أسفارهم، وخروج طائر من دم قتيل يسمى الهامة، ومحادثتهم مع الجن، وغير ذلك.
وحاصل هذه العلوم أنها استخراج معان دالة على وقوع حوادث مستقبلة للعامة أو الخاصة، تستخرج من أحوال تبدو من حركات الطير أو الوحش ومرورها ونزولها، أو من أقوال تقرع السمع على غير ترقب، أو من مقارنات بين الأشياء وملازمات للأشياء