((وسُئِل رحمه الله: ما تقول السادة العلماء الجهابذة - أئمة الدِّين رضي الله عنهم أجمعين - فيمن يقول: الكلام غير المتكلم، والقول غير القائل، والقرآن والمقروء والقارئ كل واحد منها له معنى؟ بينوا لنا ذلك بياناً شافياً؛ ليصل إلى ذهن الحاذق والبليد، أثابكم الله بمنه؟
فأجاب - رضي الله عنه -:
الحمد لله، من قال: إن الكلام غير المتكلم، والقول غير القائل، وأراد أنه مباين له ومنفصل عنه، فهذا خطأ وضلال، وهو قول من يقول: إن القرآن مخلوق، فإنهم يزعمون أن الله لا يقوم بصه صفة من الصفات، لا القرآن ولا غيره، ويوهمون الناس بقولهم: العلم غير العالم، والقدرة غير القادر، والكلام غير المتكلم، ثم يقولون: وما كان غير الله فهو مخلوق، وهذا تلبيس منهم.
فإن لفظ ((الغير)) يُراد به ما يجوز مباينته للآخر ومفارقته له، وعلى هذا فلا يجوز أن يُقال: عِلْمُ الله غيره، ولا يُقال: إن الواحد من العشرة غيرها، وأمثال ذلك، وقد يُراد بلفظ ((الغير)) ما ليس هو الآخر، وعلى هذا فتكون الصفة غير الموصوف، لكن على هذا المعنى لا يكون ما هو غير ذات الله الموصوفة بصفاته مخلوقاً؛ لأن صفاته ليست هي الذات؛ لكن قائمة بالذات، والله سبحانه وتعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات كماله، وليس الاسم اسماً لذات لا صفات لها؛ بل يمتنع وجود ذات لا صفات لها.
والصواب في مثل هذا أن يُقال: الكلام صفة المتكلم، والقول صفة القائل، وكلام الله ليس بايناً منه؛ بل أسمعه لجبريل، ونزل به على محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} ولا يجوز أن يُقال: إن كلام الله فارق ذاته، وانتقل إلى غيره، بل يُقال كما قال السلف: إنَّه كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود. فقولهم:((منه بدأ)) رد على من قال: إنَّه مخلوق في بعض الأجسام، ومن ذلك المخلوق ابتدأ. فبينوا أن الله هو المتكلم به ((منه بدأ)) لا من بعض