فقد يُراد بلفظ الرزق ما أباحه أو ملكه، فلا يدخل الحرام في مسمى هذا الرزق كما في قوله تعالى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وقوله تعالى {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} وقوله: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً} وأمثال ذلك.
وقد يراد بالرزق ما ينتفع به الحيوان وإن لم يكن هناك إباحة ولا تمليك، فيدخل فيه الحرام، كما في قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، وقوله عليه السلام في الصحيح:((فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد)) .
ولما كان لفظ الجبر والرزق ونحوهما فيها إجمال؛ منع الأئمة من إطلاق ذلك نفياً أو إثباتاً كما تقدم عن الأوزاعي وأبي إسحاق الفزاري وغيرهما من الأئمة.
وكذا لفظ ((التأثير)) فيه إجمال، فإن القدرة مع مقدورها كالسبب مع المسبب، والعلة مع المعلول، والشرط مع المشروط، فإن أُريد بالقدرة: القدرة الشرعية المصححة للفعل المتقدمة عليه؛ فتلك شرط للفعل وسبب من أسبابه وعلة ناقصة له.
وإن أُريد بالقدرة: القدرة المقارنة للفعل المستلزمة له فتلك علة للفعل وسبب تام، ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء هو وحده علة تامة وسبب تام للحوادث بمعنى أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا مشيئة الله تعالى خاصة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وأما الأسباب المخلوقة كالنار في الإحراق، والشمس في الإشراق، والطعام والشراب في الإشباع والإرواء ونحو ذلك، فجميع هذه الأُمور سبب لا يكون الحادث به وحده، بل لابد من أن ينضم إليه سبب آخر، ومع هذا فلها موانع تمنعها عن الأثر، فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع وليس في المخلوقات واحد يصدر عنه وحده شيء.
وهذا مما يبين لك خطأ المتفلسفة الذين قالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا