الإعجاز في القرآن أمر أذعن له كل فصيح، وطأطأ رأسه كل بليغ، والعرب عرفوا بالبلاغة والفصاحة، وتحداهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، فما استطاعوا، ولو كان بمقدورهم مجتمعين أن يأتوا بمثله ما قصروا؛ لأن الإنسان في موضع التحدي لا سيما من مخالفه لا شك أنه سوف يبذل أقصى ما يستطيع، ومع ذلك أعلنوا العجز ولم يستطيعوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لو تظاهروا، لو اجتمعوا، لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما استطاعوا، فهو معجزة النبي -عليه الصلاة والسلام- الخالدة، وهو المناسب لنبوته التي لها البقاء إلى يوم القيامة، الدائمة المستمرة إلى قيام الساعة، والأنبياء لهم معجزات تناسب أوقاتهم، وتناسب عصورهم، وتنقضي بانقضاء أدوارهم، لكن لما كانت رسالة النبي -عليه الصلاة والسلام- خالدة إلى قيام الساعة، وإلى الناس أجمعين صارت المعجزة الكبرى هذه المعجزة القرآن الكريم الخالد إلى قيام .. ، إلى أن يرفع في آخر الزمان، قد يقول قائل: الله -جل وعلا- تحدى بالقرآن، وتحدى بعشر سور، وتحدى بسورة، لماذا لم يتحدى بآية؟ لأن الآية منها القصيرة جداً {ثُمَّ نَظَرَ} [(٢١) سورة المدثر] {مُدْهَامَّتَانِ} [(٦٤) سورة الرحمن] يعني العربي لا يعجز أن يقول: ثم نظر، ولا يعجز أن يقول: مدهامتان، فلم يقع التحدي بآية، لكن آية بقدر أقصر السور يقع التحدي بها، وأيضاً {ثُمَّ نَظَرَ} [(٢١) سورة المدثر] في موضعها لا يمكن أن يقوم غيرها مقامها، فهي معجزة من هذه الحيثية، وكل من حاول معارضة القرآن والإتيان بمثله أتى بما يضحك منه الصبيان، وما يؤثر عن مسيلمة شيء لا يقوله ولا المجانين، ويذكر عن أبي العلاء المعري أنه ألف كتاباً أسماه: الفصول والغايات في معارضة الآيات، كتاب مطبوع، لكنه عُدل اسمه إلى (الفصول والغايات في مواعظ البريات) قالوا: إنه أراد أن يعارض به القرآن، وهو ملحد يعني معروف.