على كل حال من قرأ الكتاب يجزم بأنه ليس في مقدور أبرع الناس وأفصح الناس معارضة شيء يسير من القرآن الكريم، وإعجاز القرآن بجميع نواحيه، إعجازه بنظمه، إعجازه بحكمه، إعجازه بأحكامه، إعجازه بقصصه، فهو معجز من كل وجه، ومع ذلك طلب وتحدي العرب أن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فلم يستطيعوا.
كفى وحسبك بالقرآن معجزة ... دامت لدينا دوماً غير منصرمِ
إلى الآن والتحدي قائم إلى الآن والتحدي قائم.
لم يعتره قط تبديل ولا غير ... وجل في كثرة الترداد عن سأم
القرآن محفوظ عن التبديل والتحريف والزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(٩) سورة الحجر].
لم يعتره قط تبديل ولا غير ... . . . . . . . . .
ما غُير، كما حصل للكتب السابقة؛ لأنهم استحفظوا فلم يحفظوا، وكتابنا تولى الله -جل وعلا- حفظه، والقصة التي حصلت على يد يحيى بن أكثم حينما دعا اليهودي فلم يسلم، وجاء بعد سنة معلناً إسلامه فسأله يحيى بن أكثم فقال: ما الذي جعلك ترفض الإسلام في العام الماضي وتأتي مسلماً طائعاً مختاراً في هذا العام؟ قال: نعم، أنا خلال العام المنصرم نسخت نسخ من التوراة وحرفت وزدت ونقصت وقدمت وأخرت فتلقفها مني أحبار اليهود دون تردد، وصاروا يقرؤونها ويعملون بها، ثم فعلت مثل هذا في الإنجيل كتبت نسخ من الإنجيل وقدمت وأخرت وزدت ونقصت ونفس الشيء اشتراها أحبار النصارى وعملوا بها، وقرؤوها فأتيت إلى المصحف فغيرت تغييراً يسيراً جداً لا يدركه إلا الحذاق، فلما جئت به إلى سوق الوراقين من المسلمين وعرضت عليهم، كل من نظر فيه رماه في وجهي، فعرفت أن هذا هو الدين الحق المحفوظ بالعناية الإلهية، ثم حج يحيى بن أكثم والتقى بسفيان بن عيينة، وذكر له القصة، قال: هذه في القرآن، ما تحتاج إلى يهودي ولا غير يهودي، الله -جل وعلا- قال عن الكتب السابقة {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [(٤٤) سورة المائدة] وكل إليهم الحفظ فما حفظوا، وقال في كتابنا:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(٩) سورة الحجر] تكفل الله بحفظه، فلا يستطيع أحد أن يعتدي عليه أو يحرف.