((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) تحذير (ألا) تنبيه على ما يجب أن يحذر منه ((ألا وإياكم ومحدثات الأمور)) يعني المبتدعات، فيحرص الإنسان أشد الحرص ألا يتعبد إلا بما شرعه الله -جل وعلا-، والأمور يرقق بعضها بعضاً، ناس قد ينفرون من المحدثات في أول الأمر، ثم إذا طال بهم الوقت تساهلوا فيها، ثم جاء بعدها أعظم منها، فانجفلوا منها، واستوحشوا منها، ثم بعد ذلك إذا طال بهم الوقت وجاء أعظم منها رقت في قلوبهم وعانوها، والساعة أول ما ظهرت توقف الناس فيها؛ لأنها محدثة، وخشوا أن تكون سحراً، توقف الناس فيها، ثم تبينت لهم حقيقتها واستعملوها، مكبرات الصوت نعرف من شيوخنا من توفي وهو لا يستعملها؛ لماذا؟ لأنه أمر محدث يستعمل في عبادة، يستعمل في الصلاة، فجعله من المحدثات، ولا شك أن الذي يحتاط لنفسه ولا يقدم على العمل إلا بعد تبين وتثبت هذا هو الذي يحتاط لدينه، أما كل ما فتح من باب جديد أول من يلج منه شخص بعينه مثل هذا ليس من أهل التحري ولا التثبت، فعلينا أن نتحرى ونتثبت حتى نعرف حقيقة الحال، رأى الناس أنه لا بد من وجود هذه المكبرات لكثرة الناس، فأدركنا من يخطب الجمعة بدون مكبر، والناس لا يدرون ولا يسمعون ما يقول، يصلي بالناس التراويح بدون مكبر وهم لا يسمعون، فنتصور أن الناس في مثل هذا الازدحام في رمضان في مكة مثلاً بدون مكبر، كيف يصلي الناس؟ فهذه الأمور لا شك أنها محدثات، لكن يبقى أنها هل هي من المحدثات التي تضر في دين الإنسان أو تنفع في الدين نفسه؟ ظهر بعد ذلك المذياع –الراديو- وتوقف الناس فيه طويلاً، ورأوا أن ما يبث فيه شر مستطير، وفيه خير، ورأوا أن هذا الخير من خلال هذه المحدثة المبتدعة فيه ما فيه، فما جرأوا على اقتنائه، ولا سمعوا منه، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من الاطلاع على حقيقته فاقتناه الناس، بما في ذلك أهل العلم وأهل الفضل، ويوجد من يتورع عن اقتنائه الآن، ويوجد من يتورع عن مكبر الصوت، بل يوجد من يتورع عن الكهرباء ووسائل الراحة، لكنه لا يحرم ذلك على الناس، يعني كون الإنسان يرتكب في نفسه العزيمة هذا لا يلام، لكن كونه يقول: إن هذا الحلال حرام هنا يقع الإشكال أو العكس.