للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى الإنسان أن يراجع نفسه باستمرار، ويتعاهد هذه النفس التي بين جنبيه، فمثل هذا لا يدخل الجنة -نسأل الله السلامة والعافية-، فإن كان متكبراً عن الإيمان فالحديث على ظاهره لا يدخلها ألبتة، وإن كان في قلبه شيء من الإيمان، وفي قلبه شيء من احتقار الناس، والكبر الذي جاء تعريفه في الحديث، فإن هذا لا يدخل الجنة مع أول الداخلين إن عوقب، إن عوقب لا يدخلها مع أول الناس، لكن لا بد أن يعاقب على .. ، هذا إن عوقب بل يعاقب على قدر ما في نفسه ومعصية من المعاصي يعذب عليها، ثم يكون مآله إلى الجنة إن كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان على ما في الجملة الأخرى.

((ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) يعني هذا مقابل ذاك، فالذي يقابل الكبر الإيمان، والإيمان لا شك أنه يعالج القلوب من تلك الأمراض وتلك الأدواء ((ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) إن كان المراد به أصل الإيمان، وأنه في قلبه أصل الإيمان، وقد فرط في الواجبات أو في بعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات، وفي قلبه أصل الإيمان، وفي قلبه مثقال حبة أو أكثر، فمثل هذا لا يدخل النار دخول الكفار، بمعنى أنه لا يخلد فيها، وإن دخلها ليعاقب على ما ترك من واجبات، أو يعاقب على ما فعل من محظورات؛ لأن الدخول يطلق ويراد به مجرد الدخول، وإن حصل بعده الخروج، ويطلق ويراد .. ، وهذا الأول هو دخول المسلمين أصحاب الكبائر، يدخلون النار ليعذبوا فيها بقدر جرائمهم، ثم يخرجون منها، ومآلهم إلى الجنة ومن أهل الجنة؛ لأن العبرة بالمآل، والدخول الثاني دخول الخلود الذي هو دخول الكفار، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فإن هذا لا يدخل النار دخول الكفار، ولا يعني هذا أن مجرد الإيمان والتصديق كافٍ عن غيره في عدم دخول النار بالكلية، وأن العمل لا يشترط، بل العمل شرط لصحة الإيمان، والمراد بذلك جنسه كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وسلف هذه الأمة كلهم على أن الإيمان قول وفعل وعمل، قول واعتقاد، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.

<<  <  ج: ص:  >  >>