وهي نوعان: إرادة كونية، وهي التي ترادف المشيئة، ولا بد من تحقق ما أريد بها، لا بد من التحقق، لكن الإرادة الشرعية الدينية قد يحصل المراد وقد لا يحصل، كما ذكرنا من أن الله -جل وعلا- أراد من العباد من الجن والإنس أن يعبدوه، فمنهم من استجاب ومنهم من لم يستجب، فالذي استجاب اجتمعت فيه الإرادتان، والذي لم يستجب تحققت فيه الإرادة الكونية، وتخلفت الإرادة الشرعية لكن هل هناك شيء، بالعكس تحقق إرادة شرعية دون إرادة كونية؟ يتصور وإلا ما يتصور؟ ما يتصور، يعني بعض المبتدعة يقولون: كيف يريد شيئاً ولا يقع في ملكه؟ كيف يريد شيئاً ولا يتحقق؟ والملك إذا طلب من رعيته شيئاً ولم يحققوا مطلوبه صار هذا نقص في ملكه، والله -جل وعلا- يطلب من الجن والإنس أن يعبدوه، ويخالف أكثر الناس فهل يلزم من ذلك نقص في الملك؟ ما يلزم، لا يلزم، نعم، نعم طيب ما الحكمة في كونه يطلب شرعاً، ولا يريد ذلك كوناً وقدراً، ولا يشاءه، الحكمة الإلهية من افتراق الخلق إلى شقي وسعيد، لا شك أنها حكمة بالغة؛ ليختبر الناس ويجازون على أعمالهم، ولذلك خلقت الجنة والنار، إيه لو شاء الله -جل وعلا- شرعاً وأحب أن يؤمن الناس كلهم آمنوا ولتعطلت كما يقول ابن القيم: دار الجزاء الثاني، يعني النار، تتعطل، والإرادة الكونية على ما حصل وما وقع لا شك أنها حكم ومصالح عظيمة، فالله يريد من فلان أن يؤمن، يحب من فلان أن يؤمن، ويريد كوناً أنه لا يؤمن، هل هذا تناقض بين الإرادتين؟ لا، يعني متى يكون تناقض؟ لو جبر الناس أمرهم بالإيمان، وألزمهم وجبرهم على الكفر، هل يقال كيف يأمرهم ويجبرهم؟ لكنه ترك لهم حرية اختيار، وللمخلوق مشيئة وإرادة لكنها تابعة لإرادة الله -سبحانه وتعالى-، فالشخص الذي يؤمر بالصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم يجلس في بيته إلى أن تصلى وينتهون الناس من الصلاة، هل هذا مجبور على البقاء في بيته؟ لا يستطيع القيام؟ في أحد يمنعه؟ نعم أراد الله -جل وعلا- كوناً أنه لا يستجيب وأنه لا يصلي، لكنه أراد شرعاً أن يستجيب وركب فيه من الحرية والإرادة والقدرة ما يجعله يستطيع أن يصلي، وبطوعه واختياره ومن غير إجبار ترك الصلاة.