لا نرد ذاك بالعقول؛ لأن المعول عند أهل السنة على النص والعقل تابع له، على أن النص الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح، وطوائف البدع من المتكلمين مرجعهم ومصدرهم العقل، وما وافقه من نقل أثبتوه، وما خالفه من النقول فإنهم يردونه، الذي يخالف المعقول مردود عند المبتدع، لكن عقل من؟ لأنه كما سيأتي ألم تر اختلاف أصحاب النظر، يعني حتى الذين اعتمدوا على العقول لم يتفقوا، والمسألة الواحدة يقول بعضهم: إن العقل يجعلها مما يجب لله، ويقول بعضهم: إنها مما يستحيل لله، فهل هذه العقول يمكن أن تتبع؟ إضافة على أن العقل قاصر ضعيف عن إدراك ما لم يطلع عليه، روحه التي بين جنبيه هل يستطيع إدراكها، التي تتوقف عليها حياته؟ لا يمكن أن يعرف كيفيتها وكنهها؛ لأنه لم يرد في النصوص ما يبين ذلك، {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [(٨٥) سورة الإسراء]، والعالم من بداية الخلق إلى يومنا هذا بآلاتهم واكتشافاتهم بذكائهم وعقولهم وبحوثهم لم يستطيعوا أن يحددوا ماهية الروح على حقيقتها، فكيف، فكيف بما هو أعظم من ذلك وهو خالق الروح جل جلاله! وإذا لم يمكن تحديد كنه بعض المخلوقات والإحاطة بها فكيف بخالق هذه المخلوقات.
ولا نرد ذاك بالعقول، يعني لا نعول على العقل، وإنما مردنا ومؤولنا على النص، والعقل تابع، العقل تابع العقل نعم له نصيب من الفهم، يفهم النص، لكنه لا يقرر شيئا من تلقاء نفسه، وإنما هو تابع للنصوص، والماوردي في أدب الدنيا والدين قال: المتبوع إما شرع مسموع، أو عقل مطبوع، فجعل العقل مصدر كالشرع، ولذلك رماه بعضهم بالاعتزال، أهل السنة يجعلون العقل تابع، لا يستقل بشيء، لا يستقل بشيء العقل، ولذا ما نرد شيئاً من النصوص بعقولنا، ولا شك أن العقول تتعامل مع النصوص، لكنها لا تستقل بإحداث شيء لم ترد به النصوص.