للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ننظر في كلام ابن القيم في هذه المسألة، ننقل كلامه. وأما قوله، قال: وأما النفس، من الذي قال؟ قال: يعني السهيلي، يعني السهيلي قال: وأما النفس فعلى أصل موضعها إنما هي عبارة عن حقيقة الموجود دون معناً زائد، وقد استعمل أيضاً من لفظها النفاسة والشيء النفيس فصلحت للتعبير عنه سبحانه بخلاف ما تقد من الألفاظ المجازية، وأما الذات فقد استهوى أكثر الناس لا سيما المتكلمين القول فيها، أنها في معنى النفس والحقيقة، ويقولون: ذات الباري هي نفسه، ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته ويحتجون في إطلاق ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- في قصة إبراهيم: ((ثلاث كذبات كلهن في ذات الله)) وقول خبيب: وذلك في ذات الإله، شفت في ذات الله، في حديث إبراهيم في البخاري حديث أبي هريرة في ذات الله، وقول خبيب في ذات الإله، فلا فرق، فتكون أو لفظ الله معطوفة على لفظ الإله في آخر الشطر الأول، وذلك في ذات الله، قال: وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا، ولو كان كذلك لجاز أن يقال: عبدت ذات الله، واحذر ذات الله، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [(٢٨) سورة آل عمران]، وذلك غير مسموع، ولا يقال إلا بحرف فيه الجارة، وحرف فيه للوعاء وهو معنى مستحيل على نفس الباري إذا قلت: جاهدت في الله، وأحببت في الله محال أن يكون هذا اللفظ حقيقة، لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء؛ لأن في ظرفية، وإنما هو على حذف المضاف أي في مرضاة الله وطاعته، فيكون الحرف على بابه كأنك قلت: هذا محسوب في الأعمال التي فيها مرضاة الله وطاعته، وأما أن تدع اللفظ على ظاهره فهو محال، وإذا ثبت هذا فقوله: في ذات الله، أو في ذات الإله، إنما يريد في الديانة والشريعة التي هي ذات الإله، فذات وصف للديانة، وكذلك هي في أصل موضوعها نعت لمؤنث ألا ترى أن فيها تاء التأنيث، وإذا كان الأمر كذلك، وقد صارت عبارة عما تشرف بالإضافة إلى الله -عز وجل-، لا عن نفسه سبحانه، وهذا هو المفهوم من كلام العرب، ألا ترى إلى قول النابغة: مجلتهم ذات الإله ودينهم ...

وقد بان غلط من جعل هذه اللفظة عبارة عن نفس ما أضيفت إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>