نظرته، فقلت: سبحانك أي رب، فقال: يا حمزة، أين نظار المصاحف؟
فقلت: يا رب أحفاظهم؟ قال: ولكني أحفظه لهم حتى يلقوني يوم القيامة، فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة؛ أفتلومني أن أبكي وأتمرغ في التراب؟
قال الشيخ وحيد الدين: قال شيخي صائن الدين: قال الشيخ منتجب الدين: أخبرنا الشيخ أبو الجود/ بقراءتي عليه في سنة ست مائة، وبالإسناد عن ابن غلبون، عن إسماعيل بن زياد أنه قال: قال حمزة رضي الله عنه (١):
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فقلت: يا رسول الله، قد رويت ألف حديث بإسناد عنك، أقرأها عليك؟ قال: نعم، فقرأتها عليه كلها بإسنادها عنه، فزوّرها كلها إلا أربعة أحاديث، فإنه لم يقرّ منها إلا بتلك الأربعة، وقال: لم أتكلم بها، فقلت: يا رسول الله، قد قرأت القرآن، أقرأه عليك؟ فقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره، فقال: كما أنزل عليّ، كما أنزل عليّ.
قال ابن غلبون (١): فدل هذا على صحة قراءة حمزة، وجهل من يلحنه فيها، ويرد عليه؛ لأنه كان متبعا لمن أخذ عنه كما تقدم ممن قد اتصل إسناده برسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ردّ عليه فإنما يرد على من قرأ عليه، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك إثما عظيما، وجهلا مبينا.
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: وأجمعت العامة والخاصة من أهل الكوفة إلى اليوم على الائتمام بحمزة، والاقتداء بمذاهبه، والتمسك باختياره.
وكان رحمه الله متصدرا في حياة الأعمش، إذا رآه مقبلا يقول: هذا حبر القرآن.
وقال فيه شريك: ما علمت بالكوفة أقرأ منه ولا أفضل منه، ومن مثل حمزة.
وقال فيه سفيان الثوري رحمه الله: هذا أقرأنا للقرآن.
(١) هذه القصة بتمامها مذكورة في «التذكرة» (١/ ٤٨ - ٤٩)، بتغيير في بعض ألفاظها، وأخرجها مختصرة مسلم في مقدمة «صحيحه» (ص/ ١٧).