للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[سادسًا حملُ الميت ودفنه]

سادسًا: حملُ الميت ودفنه: حملُ الميت ودفنُه من فروض الكفاية على من علم بحاله من المسلمين، ودفنه مشروع بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا - أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٥ - ٢٦] وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: ٢١] [عبس: ٢١] ؛ أي: جعله مقبورًا، والأحاديث في دفن الميت مستفيضةٌ، وهو برٌّ وطاعةٌ، وإكرامٌ للميت واعتناءٌ به.

ويسنُّ: اتباع الجنازة وتشييعها إلى قبرها؛ ففي "الصحيحين": " «من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراطٌ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان» ". قيل: وما القيراطان؟ قال: " «مثل الجبلين العظيمين» " (١) .

وللبخاري بلفظ: " «من شَيَّعَ» "، ولمسلم بلفظ: " «من خرج مع جنازة من بيتها، ثم تبعها حتى تدفَن. . .» " (٢) .

ففي الحديث برواياته الحثُّ على تشييع الجنازة إلى قبرها.

ويُسَنُّ لمن تبعها: المشاركة في حملها إن أمكن، ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابة، لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة.

ويُسَنُّ: الإسراع بالجنازة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «أسرعوا بالجنازة؛ فإن تكُ صالحة، فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك، فشر تضعونه عن رقابكم» " (٣) متفق عليه، لكن، لا يكون الإسراع شديدًا، وتكون على حامليها ومشيعيها السكينة، ولا يرفعون أصواتهم، لا بقراءةٍ ولا غيرها من تهليل وذكر، أو قولهم: استغفروا له، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا بدعة.

ويحرمُ خروج النساء مع الجنائز، لحديث أم عطية: " «نهينا عن اتباع الجنائز» " (٤) ولم تكن النساءُ يخرجن مع الجنائز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشييع الجنائز خاص بالرجال.

ويُسَنُّ: أن يعمق القبر ويوسع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «احفروا وأوسعوا وعَمِّقُوا» " (٥) قال الترمذي: "حسن صحيح".

ويُسَنُّ: سَتْرُ قبر المرأة عند إنزالها فيه لأنّها عورة.

ويسن: أن يقول من ينزل الميت في القبر: بسم الله، وعلى ملة رسول الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «إذا وضعتم موتاكم في القبور؛ فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم» " (٦) رواه الخمسة، إلا النسائي وحسنه الترمذي.

ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة: " «قبلتُكم أحياءً وأمواتًا» " (٧) رواه أبو داود وغيره.

ويجعل تحت رأسه لَبِنَةٌ أو حجر أو تراب، ويُدنى من حائط القبر الأماميِّ، ويجعل خلف ظهره ما يُسنده من تراب، حتى لا ينكب على وجهه، أو ينقلب على ظهره.

ثم تسد عليه فتحة اللحد باللبن والطين حتى يلتحم، ثم يهال عليه التراب، ولا يزاد عليه من غير ترابه.

ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ويكون مُسَنَّمًا (أيْ مُحَدَّبًا كهيئة السنام) لتنزل عنه مياه السيول، وتوضع عليه حصباء، ويرش بالماء ليتماسك ترابه ولا يتطاير.

والحكمة في رفعه بهذا المقدار؛ ليعلم أنه قبر فلا يداس، ولا بأس بوضع النصائب على طرفيه لبيان حدوده، وليعرف بها، من غير أن يكتب عليها.

ويستحب إذا فرغ من دفنه أن يقف المسلمون على قبره ويدعوا له ويستغفروا له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه، وقال: " «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل» " (٨) رواه أبو داود.

وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر؛ فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، وكل بدعة ضلالة.

ويحرم البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها؛ لقول جابر؛ " «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يُبنى عليه» " (٩) رواه مسلم، وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعًا: " «نهى أن تُجصَّص القبور وأن يكتب عليها، وأن يُبنى عليها، وأن توطَأَ» " (١٠) ولأَنَّ هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة؛ لأنّ الجهَّال إذا رأوا البناء والزخرفة على القبر، تعلقوا به.

ويحرم إسراج القبور (أي: إضاءتها بالأنوار الكهربائية وغيرها) ويحرم اتخاذ المساجد عليها (أي: ببناء المساجد عليها) ، والصلاة عندها أو إليها.

وتَحرمُ زيارة النساء للقبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُرُجَ» " (١١) رواه أهل السنن.

وفي "الصحيح ": " «لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» " (١٢) ولأن تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصل شرك العالم.

وتحرم إهانة القبور: بالمشي عليها، ووطئها بالنِّعال، والجلوس عليها، وجعلها مجتمعًا للقمامات، أو إرسال المياه عليها؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: " «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير من أن يجلس على قبر» " (١٣) .

قال الإمام ابن القيم رضي الله عنه: (من تدبر نهيه عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطء عليه، علم أن النهي إنما كان احترامًا لسكَّانها أن يوطأ بالنّعال على رءُوسِهم) .


(١) أخرجه البخاري (رقم ١٣٢٥) ؛ ومسلم (رقم ٩٤٥) .
(٢) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (٢١٩٢) [٤ / ١٩] .
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة: البخاري (١٣١٥) [٣ / ٢٣٣] الجنائز ٥١.
ومسلم (٢١٨٣) [٤ / ١٥] .
(٤) متفق عليه: البخاري (٣١٣) [١ / ٥٣٦] ؛ ومسلم (٢١٦٤) [٤ / ٥] .
(٥) أخرجه من حديث هشام بن عامر: أبو داود (٣٢١٦) [٣ / ٣٥٦] بلفظ: "وأعمقوا".
وأخرجه أيضًاً بدون لفظ: "وأعمقوا".
وأخرجه أيضًا بدون لفظ: "عمقوا" (٣٢١٥) [٣ / ٣٥٥] ، وجعل بدله "حسنوا"؛ والترمذي (١٧١٧) [٤ / ٢١٣] .
(٦) أخرجه بهذا اللفظ من حديث ابن عمر: أحمد (٥٣٧٠) [٢ / ٧٠] .
وأخرجه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه: أبو داود (٣٢١٣) [٣ / ٣٥٥] ؛ والترمذي (١٠٤٦) [٣ / ٣٦٤] ؛ وابن ماجه (١٥٥٠) [٢ / ٢٤١] .
(٧) أخرجه من حديث عبيد بن عمير عن أبيه: أبو داود (٢٨٧٥) [٣ / ١٩٩] .
(٨) أخرجه أبو داود من حديث عثمان (٣٢٢١) [٣ / ٣٥٧] الجنائز ٧٣.
(٩) أخرجه مسلم (٢٢٤٢) [٤ / ٤١] .
(١٠) أخرجه الترمذي (١٠٥٣) [٣ / ٣٦٨] ؛ والنسائي (٢٠٢٦) [٢ / ٣٩١] .
وأخرجه ابن ماجه في موضعين (١٥٦٢و ١٥٦٣) [٢ / ٢٤٧-٢٤٨] .
(١١) خرجه من حديث ابن عباس: أحمد (٢٠٣٠) [١ / ٢٣٠] ؛ وأبو داود (٣٢٣٦) [٣ / ٣٦٢] الجنائز ٨٢؛ والترمذي (٣٢٠) [٢ / ١٣٦] الصلاة ١٢١؛ والنسائي (٢٠٤٢) [٢ / ٤٠٠] الجنائز ١٠٤.
وأخرجه ابن ماجه بلفظ: "زوارات" دون آخره (١٥٧٥) [٢ / ٢٥٤] .
(١٢) متفق عليه من حديث عائشة وابن عباس البخاري (٤٣٥) [١ / ٦٨٨] ؛ ومسلم (١١٨٧) [٣ / ١٦] .
(١٣) أخرجه مسلم (٢٢٤٥) [٤ / ٤١] .

<<  <   >  >>