انطلاقا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الصفا.
١٢ - المكاشفة والمصارحة في الطرح الإعلامي: هذه الدلالة تؤكدها نصوص خطبة الصفا جميعها، فقد صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بحقيقة الألوهية وحقيقة الإنسان وحقيقة الدين وحقيقة ما عليه ذلك المجتمع الجاهلي من خلال ما عاب على قومه أن يأسروا أنفسهم للتقاليد الموروثة عن آبائهم وأجدادهم دون تفكير ودون تحرير لعقولهم من أسر الاتباع الأعمى لجاذبية تلك المواريث التي لا تقوم على الفكر والمنطق السليم.
لقد كانت هذه الخطبة غاية في مفاصلة القوم على المبدأ كما كانت غاية في البلاغ، إذ لم تكن طريقا أقصر من هذا البيان وأوضح وأبين، فقد أوضح لأقرب الناس إليه أن التصديق برسالة الإسلام هو أس الصلة، والرابطة الحقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومه، بل وبينه وبين أقرب الناس إليه. والمكاشفة بالحقائق من مبادئ الإعلام الإسلامي؛ لأن الإعلام الذي ينطلق من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يبالي فيما يدعو إليه وفي طريق تعامله مع الناس بالمصلحة الآنية ولا المكاسب السياسية المرحلية، ولا يهتم بتحقيق أغراض وأعراض دنيوية طارئة، فيتنازل وينادي بنصف الحقيقة ويوافق على إجراء أي تسوية أو تأييد مشروط؛ لأنه الإعلام الهادف إلى نشر عقيدة التوحيد الملتزم بالأوامر والنواهي الموصول بها، لا يقول إلا الحق ولا يهدف إلا إلى إظهار دين الحق في الأرض. من أجل ذلك كله تميز الإعلام الإسلامي في عهود الحضارة الإسلامية الزاهرة بالوضوح والصراحة والواقعية دون مراعاة لمصلحة فرد أو فئة من الناس؛ لأن مصير المجتمع الذي يبنيه الإعلام الإسلامي لا تقرره حماية فرد أو فئة مهما عظم شأنها، كل ذلك بفضل القاعدة الأساس التي ينطلق منها وهي عقيدة الإيمان بالله الواحد الأحد التي حررت الإنسان من أنواع العبودية لغير الله وجاذبية الأعراف الجاهلية.