للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• العين: حلقي، رخو، مجهور، مرقق.

فالصوتان اتفقا في المخرج، وصفتي الرخاوة، والترقيق. إلا أن الحاء مهموس والعين مجهور. وهذا التوحد في المخرج، والتقارب في الصفات هو الداعي للإبدال. وعلى هذا التحليل يحمل قوله تعالى: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ} (١)، حيث قرئ "بحثر" (٢).

ويعلل الأستاذ الدكتور: عبد الصبور شاهين لحدوث هذه الصور من البدل فيقول: "السبب في حدوث مثل هذه الألفاظ على ألسنة العرب إنما هو انقسام المجتمع آنذاك إلى حضري أو متأثر بحضارة مجاورة، وإلى بدوي أو متأثر ببداوة مجاورة، وقد لاحظ أيضا أن الحضر يمتازون بهمس المجهورات، وإرخاء الشديد من الأصوات وترقيق المفخم منها غالبا في حين يغلب على البدوي أن يجهر بالمهموس، أو ينطق الرخو شديدا، وأن يفخم الأصوات المرققة" (٣).

ويُخْلَصُ مما سبق إلى أن الإبدال مبحث من المباحث الصوتية التي يُطَالَبُ بها المعجميُّ عند صناعته لمعجمه؛ لأنه ضروري في تحديد العلاقة بين بعض المفردات التي اختلفت في صوت واحد نحو: "حَتَّى وعَتَّى"، و" بَعْثَرَ وبَحْثَرَ" و"السِّرَاط والصِّرَاط " ... هل هذه المفردات تختلف في المعنى أم تتفق؟. ومطالع المعجم لاشك أنه في حاجة إلى ذلك، ومن هذا المنطلق قد اهتم الزبيدي في معجمه بهذه الظاهرة متخذاً من القراءات القرآنية وما دار حولها من نقاشات لغوية زاداً له في معجمه. ويمكن إجمال مردود هذا المبحث على الصناعة المعجمية في النقاط الآتية:

١ - أفاد المعجم من درس الإبدال طرائق عدة لنطق بعض الكلمات، مما يفتح بابا من أبواب اليسر لمستخدم العربية من ناحية، ويفسر اختلاف النطق للكلمة الواحدة في بعض اللهجات من ناحية أخرى. وذلك نحو: "الصراط" و"السراط" و"الزراط" بالصاد والسين والزاي، والمعنى واحد، من قبيل الإبدال الاختياري أو تعدد اللغات. ونحو: يصدر ويزدر، وقشطت وكشطت، وبعثر وبحثر، وتقهر وتكقهر.

٢ - كما أن هذا الدرس أفاد المعجم في معرفة أصل الكلمة، وما حدث لها من تغيير في الأصوات، وبالتالي أسهم ذلك في فهم المعنى، نحو: "مدكر" بالدال وأن أصلها بالذال من (ذكر)، وأن ما حدث فيها هو من باب الإبدال والإدغام.

٣ - ومن أهم نتائج هذا المبحث أن الدراسة كشفت عن مواد في المعجم العربي كان الفضل في وجودها للقراءة القرآنية القائمة على الإبدال، منها:

١) مادة (زدر): بنيت على قراءة "يَزْدُرُ" (٤) في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} (٥).

٢) مادة (زرط): بنيت على قراءة "الزِّرَاط" (٦) في قوله تعالى: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (٧). حيث إنها لغة فيه.

٣) مادة (دكر): قال عنها الخليل: إنها ليست من كلام العرب (٨). وأول ظهورها كمادة كان في التهذيب (٩)، وقد بناها على قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (١٠). ثم توسع فيها كل من اللسان والتاج في ضوء الآية نفسها.


(١) العاديات: ٩.
(٢) هي قراءة ابن مسعود، انظر: جامع البيان للطبري: ٢٤/ ٥٦٨، وجامع الأحكام للقرطبي: ٢٠/ ١٦٣، والدر المصون: ١٤/ ٣٩١، ومعجم القراءات لمختار: ٥/ ٤٥٦.
(٣) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: ٢٩٨.
(٤) انظر: التهذيب: ١٣/ ١٢٦، واللسان، والتاج (زرد).
(٥) الزلزلة: ٦.
(٦) انظر: التهذيب: ١٣/ ١٢٤، والمحيط لابن عباد:٢/ ٢٩٢، والعباب للصاغاني، واللسان، والقاموس، والتاج (زرط).
(٧) الفاتحة: ٦.
(٨) العين: ٥/ ٣٢٧.
(٩) ١١/ ٦٤.
(١٠) القمر: ١٧.

<<  <   >  >>