للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ أصلُها (سُئِلوا) كالعامَّةِ ثم خُفِّفَتِ الكسرةُ فسَكَنَتْ، كقولِهم في "ضَرِب" بالكسر: ضَرْب بالسكون فَسَكَنت الهمزةُ بعد ضمة فقُلِبت واواً نحو: بُوْس في بُؤْس. والثاني: أن تكونَ مِنْ لغة الواو. ونُقل عن أبي عمرو أنه قرأ "سِيْلُوا" بياءٍ ساكنةٍ بعد كسرةٍ نحو: مِيْلُوا" (١).

ومن ذلك:

(البَرِيئَة): قراءة في قوله تعالى: {شَرُّ البَريَةِ} (٢)، و {خَيْرُ البَريَةِ} (٣).

[التاج: برأ]

ذكر الزبيدي أن " البَرِيَّةَ: الخَلق، والأصل فيها الهمز، ولكن العربَ قد تركت هَمزها، يدل على ذلك قراءة نافعٍ وابن ذَكْوان على الأَصلِ قوله تعالى: {شَرُّ البَريئَةِ ... خَيْرُ البَريئَةِ} (٤). إلا أن الفراء يرى أن الأصل غير مهموز حيث يقول:"البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها كأنه أخذها من قول الله جل وعز: "برأكم"، وبرأ الخلق، ومن لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى. ثم اجتمعوا على ترك همزها كما اجتمعوا على: يرى وترى ونرى، وإن أخذت من البرى كانت غير مهموزة " (٥).

وقد أخذ السمين هذا المعنى فوسعه فقال:"قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان "البَريئة" بالهمزِ في الحرفَيْن، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ. واخْتُلِف في ذلك الهمز، فقيل: هو الأصلُ مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ: ابتدأه واخترعَه فهي (فعيلةٌ) بمعنى مَفْعولةٌ، وإنما خُفِّفَتْ، والتُزِمَ تخفيفُها عند عامَّةِ العربِ. وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها: النبيُّ والخابيةَ والذُّرِّيَة والبَرِيَّة. وقيل: بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرَى، وهو الترابُ فهي أصلٌ بنفسِها، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال: "وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ


(١) الدر المصون: ١٢/ ٢٥.
(٢) البينة: ٦.
(٣) البينة: ٧.
(٤) قراءة نافع وابن عامر، في الموضعين، والباقون بغير همز، انظر: السبعة لابن مجاهد: ٦٩٣ ومعجم القراءات للخطيب: ٥٢٧/ ١٠.
(٥) معاني القرآن: ٣/ ٢٨٢، وانظر الحجة لابن خالويه: ٣٧٤، والحجة لابن زنجلة: ٧٦٩.

<<  <   >  >>