للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلل له بما ورد عن العرب من استخدامات، فيقول: "قَرَأَ ابنُ كَثِيرِ ونافِعٌ وأَبُو عَمْروٍ: {ومَا يُخَادِعُونَ} (١) بالأَلِفِ. وقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ {يَخْدَعُونَ اللهَ والَّذِينَ آمَنُوا ومَا يَخْدَعُونَ} (٢) جَمِيعاً بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى أَنَّ الفِعْلَ فِيهِمَا جَمِيعاً من الخَادِع. وفي اللِّسَان: جَازَ (يُفَاعِلُ) لِغَيْرِ الاثْنَيْنِ؛ لأَنَّ هذَا المِثَالَ يَقَعُ كَثِيراً في اللُّغَةِ للْوَاحِدِ نَحْو: عاقَبْتُ اللِّصَّ وطارَقْتُ النَّعْلَ. وقالَ الفَارِسِيّ: والعَرَبُ تُقُولُ: خَادَعْتُ فُلاناً، إِذا كُنْتَ تَرُومُ خَدْعَهُ. وعلَى هذا يُوَجَّهُ قَوْلُه تَعالَى: "يُخَادِعُونُ اللهَ وهُوَ خَادِعُهُم" (٣) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ في أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُم يُخَادِعُونَ اللهَ، واللهَ هُوَ الخَادِعُ لَهُمْ أَي المُجَازِي لَهُمْ جَزَاءَ خِدَاعِهم. وقالَ الرَّاغِبُ في المُفْرَدَاتِ (٤): وقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ هذا على حَذْفِ المُضَافِ، وإِقَامَةِ المُضَافِ إِلَيْهِ مُقَامَهُ، فيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ المَقْصُودَ بمِثْلِهِ في الحَذْفِ، لا يَحْصُلُ لَوْ أُتِيَ بالمُضَافِ المَحْذُوفِ، ولِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْبِيه عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحْدِهِمَا: فَظَاعَةُ فِعْلِهِمْ فِيمَا تَجَرَّؤُوهُ مِنَ الخَدِيعَةِ، وأَنَّهُمْ بمُخَادَعَتِهِمْ إِيّاه يُخَادِعُونَ اللهَ.

والثانِي: التَّنْبِيهُ علَى عِظَمِ المَقْصُودِ بالخِدَاعِ، وأَنَّ مُعَامَلَتَهُ كمُعَامَلَةِ اللهِ.

وقد ذكر أبو زرعة حجة القراءتين فقال: " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "وما يخادعون إلا أنفسهم" بالألف واحتج أبو عمرو بأن قال: إن الرجل يخادع نفسه ولا يخدعها. قال الأصمعي ليس أحد يخدع نفسه إنما يخادعها. وقرأ أهل الشام والكوفة "وما يخدعون" بغير ألف وحجتهم في ذلك أن الله أخبر عن هؤلاء المنافقين أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر، فأثبت لهم مخادعتهم الله والمؤمنين، ثم يخبر عنهم عقيب ذلك أنهم لا يخادعونه، ولا يخادعون إلا أنفسهم، فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوله، ولكنه أخبر أن المخادعة من فعلهم، ثم إن الخدع إنما يحيق بهم خاصة دونه" (٥).

ويرجح السمين معنيين لـ (فاعل) هما: المشاركة، أو أن يكون (فاعل) بمعنى (فعل) فيقول: ومعنى {يخادعون الله} أيْ مِنْ حيث الصورةُ لا مِنْ حيث المعنى، وقيل: لعدم عرفانِهم بالله تعالى وصفاته ظنُّوه مِمَّنْ يخادَعُ ... و (فَاعَلَ)


(١) انظر: الحجة لأبي زرعة:٨٧، ومعجم القراءات لمختار: ١/ ١٦٨، ١٦٩.
(٢) المرجعان السابقان الصفحات نفسها.
(٣) النساء: ١٤٢.
(٤) مفردات غريب القرآن: ١٤٣، ١٤٤.
(٥) الحجة: ٨٧.

<<  <   >  >>