للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعنى واحدٍ؛ لأنّه تعالى قال: {وَقَالُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرَآنِ}، وقُرِئَ: "لا يَسْمَعُونَ" مُخَفّفاً".

وقول الزبيدي إن (تَسَمَّعَ) و (سَمِعَ) يستويان في المعنى لا يسلم له؛ لأن التسمع مبالغة في طلب السماع، ومجيء القراءة في الموضع الواحد بالفعلين ليس دليلا على تساويهما في المعنى، وهذا هو الواضح من كلام اللغويين والمفسرين (١).

فأبو زرعة يحتج للقراءتين فيقول:" قرأ حمزة والكسائي وحفص "لا يَسَّمَّعُونَ" بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، وحجتهم ما روي عن ابن عباس أنه قرأ: "لا يَسْمَعُونَ" وقال: هم يَسَّمَّعُونَ ولكن لا يَسْمَعُونَ، والدليل على صحة قول ابن عباس قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (٢) وقوله بعدها: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (٣)، فعلم بذلك أنهم يقصدون للاستماع. ومن حجتهم أيضا إجماع الجميع على قوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} (٤)، وهو مصدر سمع، والقصة واحدة، وتأويل الكلام وحفظا من كل شيطان مارد لئلا يسمعوا بمعنى أنهم ممنوعون بالحفظ عن السمع، فَكَفَتْ (لا) مِنْ (أَنَّ) ... فإن قال قائل: فلو كان هذا هو الوجه لم يكن في الكلام (إلى) ولكان الوجه أن يقال: لا يسمعون الملأ الأعلى، قلت: العرب تقول: سمعت زيدا، وسمعت إلى زيد، فكذلك قوله: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}، وقد قال جل وعز: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (٥)، وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (٦) فيعدي الفعل مرة بـ "إلى" ومرة باللام.

ومن قرأ: "يَسَّمَّعُونَ" الأصل (يَتَسَمَّعُونَ) فأدغم التاء في السين لقرب المخرجين وحجتهم في أنهم مُنِعُوا من التَّسَمُّعِ، الأخبارُ التي وردت عن أهل التأويل بأنهم كانوا يَتَسَمَّعُونَ الوحي فلما بُعِثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رُمُوا بالشُّهُبِ ومُنِعُوا، فإذا كانوا عن التَّسَمُّعِ ممنوعين كانوا عن السَّمْعِ أَشَدّ منعًا وأبعد منه؛


(١) انظر: تفسير أبي حاتم: ١٢/ ٧٩، والكشاف: ٤/ ٣٥، ومعالم التنزيل للبغوي: ٧/ ٣٥، والجامع للقرطبي: ١٥/ ٦٥، والدر المصون: ١٢/ ١٨٧.
(٢) الجن: ٩.
(٣) الصافات: ١٠.
(٤) الشعراء: ٢١٢.
(٥) الأعراف: ٢٠٤.
(٦) الأنعام: ٢٥.

<<  <   >  >>