للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن المُتَسَمِّعَ يجوز أن يكون غيرَ سامعِ، والسَّامعُ قد حصل له الفعل. قالوا فكان هذا الوجه أبلغ في زجرهم لأن الإنسان قد يَتَسَمَّعُ ولا يَسْمَعُ فإذا نُفِيَ التَّسَمُّعُ عنه فقد نَفَى سَمْعَهُمْ من جهة التَّسَمُّعِ ومن جهة غيرِهِ فهو أَبْلَغُ " (١).

وقد رجح الطبري قراءة التخفيف اعتمادا على الأثر فقال: "وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف؛ لأن الأخبار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، أن الشياطين قد تَتَسَمَّعُ الوحي، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تَسْمَع ... فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام "إلى"، كان التَّسَمُّعُ أولى بالكلام من السَّمْعِ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن العرب تقول: سَمِعْتُ فلانا يقول كذا، وسَمِعْتُ إلى فلان يقول كذا، وسَمِعْتُ من فلان" (٢).

أما أبو عبيد فيختار قراءة التشديد: "لاَّ يَسَّمَّعُونَ" ويقول: لو كان مخففاً لم يتعَدَّ بـ "إلى". وأُجيب عنه: بأنَّ معنى الكلامِ: لا يُصْغُون إلى الملأ. وقال مكي: "لأنه جرى مَجْرى مُطاوِعِه وهو يتَسَمَّعُون، فكما كان تَسَمَّع يتعدَّى بـ "إلى" تَعَدَّى سَمِع بـ "إلى" وفَعِلْتُ وافتعلْتُ في التعدِّي سواءٌ، فَتَسَمَّع مطاوع سمعَ، واستمع أيضاً مطاوع سَمِع فتعدَّى سَمِعَ تعدِّيَ مطاوعِه" (٣).

(يَطَّهَّرْنَ): قراءة في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكُمُ اللهُ} (٤). [التاج: طهر].

ساق الزبيدي القراءات الواردة في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ}؛ ليدلل على أن (طَهُرَتْ) الثلاثي يعني انقطع عنها دم الحيض، وأَنَّ (تَطَهَّرَتْ) الخماسي يعني اغتسلت بالماء وأنه يجوز استخدام (طَهُرَتْ) في المعنيين، على خلاف واقع بين العلماء (٥) في ذلك، إلا أن الزبيدي يستخدم القراءة كدليل ترجيح على تساوي المعنى فيقول: وقُرِئَ: "حَتَّى يَطَّهَّرْنَ" (٦) قال أبو العباس: والقراءة "حتى يَطَّهَّرْنَ"؛ لأنّ من قَرَأ "يَطَْهُرْنَ" (٧)


(١) الحجة: ٦٠٥، ٦٠٦.
(٢) جامع البيان: ٢١/ ١٢.
(٣) الدر المصون للسمين: ١٢/ ١٨٧.
(٤) البقرة: ٢٢٢.
(٥) انظر مثلا: الزمخشري: الكشاف: ١/ ١٩١، والطبري: الجامع: ٤/ ٣٨٥، وأبا حيان: البحر المحيط: ٢/ ٣٦٤.
(٦) قراءة حمزة والكسائي وعاصم الجحدري وخلف والفضل وشعبة، انظر معجم القراءات:١/ ٣١٥.
(٧) قراءة الباقين غير حمزة والكسائي وعاصم، انظر: معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: ٧٦.

<<  <   >  >>