للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقوله تعالى: {نَارَاً حَامِيَةً} (١) " (٢)، فحامية على القول بالتخفيف من حامئة تتصل بالمادة لاشك.

وفي مادة (خ ل ب) يذكر الزبيدي الآية مرة أخري مستدلا بها على أن الخُلُبَ هو الحمأ فيقول: "وفي حديث ابنِ عباسٍ وقد حَاجَّهُ عُمَرُ في قولِه تعالى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال عُمَرُ: "حَامِيَة"، فأَنشَدَ ابنُ عباس بَيْتَ تُبَّعٍ (٣):

فَرَأَى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَآبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ وثَأطٍ حَرْمَدِ

الخُلُب: الطِّينُ والحَمْأَةُ "

ولكن الطحاوي قد عقد بابا في (شرح مشكل الآثار) سماه: "باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تغرب فيه الشمس " ذكر فيه سبعة أحاديث ليس فيها محاجة بين ابن عباس وعمر بن الخطاب، ولكنها كانت بين ابن عباس وعبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، في بعض الأحاديث، وبين ابن عباس وعمرو بن العاص في أحاديث أخرى، ويبدو أن الزبيدي أو من نقل عنه قد التبس عليه الاسم الصحيح. ونص الحديث: عن ابن عباس قال: «خالفني عمرو بن العاص ونحن عند معاوية فقال ابن عباس: "عَيْنٍ حَمِئَةٍ" وقال عمرو: "حَامِيَةٍ " قال: فسألنا كعبا فقال: إنها في كتاب الله المنزل لتغرب في طينة سوداء» (٤).

ويذكر الدمياطي في الإتحاف أن من قرأ "حمئة" فهي صفة مشبهة من (حمأ)، ومن قرأ "حامية" فهي اسم فاعل من (حمي) (٥). والمعروف أن دلالة الصفة المشبهة أقوى من اسم الفاعل لإفادتها معنى الثبوت في الصفة.

قال القرطبي: "قرأ ابن عاصم وعامر وحمزة والكسائي "حامية" أي حارة.

الباقون "حمئة" أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء، تقول: حمأت البئر حمأ (بالتسكين) إذا نزعت حمأتها. وحمئت البئر حمأ (بالتحريك) كثرت حمأتها.

ويجوز أن تكون "حامية" من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء. وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة وذات حمأة " (٦).


(١) الغاشية: ٤.
(٢) التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء العكبري: ٢/ ٨٥٩.
(٣) نسب صاحب الأغاني البيت لأمية بن أبي الصلت، انظر الأغاني: ١/ ٣٨٩.
(٤) شرح مشكل الآثار للطحاوي: ١/ ٢٥٧ رقم: ٢٨٣.
(٥) انظر: إتحاف فضلاء البشر: ٣٧١.
(٦) الجامع للقرطبي: ١١/ ٤٩.

<<  <   >  >>