للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السمين: "وضَعَّفَ مكيٌّ قراءةَ حمزةَ، قال: "ومَنْ قرأ "لبِثين"، شَبَّهه بما هو خِلْقَةٌ في الإِنسان نحو: حَذِر وفَرِق، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ اللُّبْثَ ليس مِمَّا يكونُ خِلْقَةً في الإِنسان، وبابُ فَعِل إنما هو لِما يكونُ خِلْقَةً في الإِنسانِ، وليس اللُّبْثُ بخِلْقةٍ" ... وقولُ مكيّ: الُّلبْثُ ليس خِلْقَةً مُسَلَّمٌ؛ لكنه بُولِغَ في ذلك فجُعِلَ بمنزلةِ الأشياءِ الخِلْقيَّة" (١).

أما الإمام الطبري (رحمه الله تعالى) فقد فاضل بين القراءتين على أساس من العامل النحوي فقال:"واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لابِثِينَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (لابِثِينَ) بالألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة "لَبِثِينَ" بغير ألف، وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجا في العربية، قراءة من قرأ ذلك بالألف، وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على (فَعِل) فتعملها في شيء، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بَخِل بماله، ولا عَسِر علينا، ولا هو خَصِم لنا؛ لأن (فَعِل) لا يأتي صفة إلا مدحا أو ذما، فلا يعمل المدح والذمّ في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه (فاعلا) فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن (لابِثِينَ) أصح مخرجا في العربية وأفصح، ولم أُحِلّ قراءة من قرأ (لَبِثِينَ) وإن كان غيرها أفصح؛ لأن العرب ربما أعملت المدح في الأسماء، وقد يُنشد بيت لبيد (٢):

أوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ ... بِسَرَاتِهَا نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ

فأعمل (عَمِل) في (عِضادة)، ولو كانت (عاملا) كانت أفصح" (٣).

ولكن أبا جعفر النحاس لا يرد قراءة "لَبِثِينَ" على أساس نحوي كما رأى الطبري؛ لأنه يرى أن المعمول ظرف، والظرف يتعدى إليه ما لا يتعدى لغيره ولكنه يردها على أساس من السند فيقول: " قرأ علقمة، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة: "لَبِثِينَ" بغير ألف. وقد اعترض في هذه القراءة فقيل: هي لحن لا يجوز: هو حذر زيدا، وإن كان سيبويه قد أجازه وأنشد (٤):


(١) الدر المصون:١٤/ ٢٤٧.
(٢) البيت من الطويل للبيد الصحابي (رضي الله عنه)، الشاهد: ١٢٢، في الخزانة للبغدادي: ١/ ٢٣٩.
(٣) جامع البيان في تأويل القرآن للطبري: ٢٤/ ١٥٩.
(٤) البيت من الكامل وهو الشاهد: ٦٠٥ في الخزانة: ٣/ ١٦١ وقال: قيل إنه مصنوع وذكره التوحيدي في: الهوامل والشوامل: ١/ ٥٤، والبطليوسي في: الحلل في شرح = الجمل: ١/ ٢١. والمعنى: أنه يقلب الأمور، فيحذر مما لا يستحق الحذر، ويأمن ما لا يستحق الأمن.

<<  <   >  >>