للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حذِرٌ أموراً لا تَضِير وآمِنٌ ... ما لَيْسَ مُنجِيَهُ مِنَ الأقدارِ

وأنشد الفراء: (بيت لبيد السابق) إلا أن سيبويه أنشده (أو مِسْحَلٌ شَنْجٌ). وقال قوم: هو لحن؛ لأنه إنما يقال: حذر، وكذا باب (فَعِل) لمن كان في خلقته الحذر، فأما اللابث فليس من ذلك في شيء. قال أبو جعفر: أما القول الأول فغلط، ولا يشبه هذا قولك: حذر زيدا؛ لأن أحقابا ظرف، وما لا يتعدى يتعدى إلى الظرف، وأما الثاني فهو يلزم إلا أنه يجوز على بعد، والقراءة بـ"لابثين" بينة حسنة، فأما حجة من احتج بـ"لبثين" بما رواه شعبة عن أبي إسحاق، قال في قراءة عبد الله "لبثين"، فلا حجة فيه؛ لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله، ولو كان إسناده متصلا كانت فيه حجة" (١).

(مَلِكِ) (٢): قراءة في قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٣).

ذكر الزبيدي القراءتين السابقتين، ثم عرض حجة الفريقين فقال: " قرأَ عاصِمٌ والكِسائي ويَعقُوبُ "مالِكِ" بأَلِفٍ. وقرأَ باقِي السَّبعَةِ وهم ابنُ كَثِيرٍ ونافِع وأَبُو عَمرو وابنُ عامِرٍ وحَمزَةُ: {مَلِكِ يَومِ الدِّينِ} بغيرِ أَلِفٍ ... وما ذُكِرَ من تَخالُف مَعْنَى "مالكٍ" و"مَلِك" هو المَشْهُورُ (٤)، وقَوْلَ الجُمْهُورِ، وقال قومٌ: هُما بمَعْنًى واحد كفارِه وفَرِهِ، وفاكِهٍ وفَكِه، وعلى الأَوّل قيلَ: مالِكُ أَمْدَحُ؛ لأَنه أَوْسَعُ وأَجْمَعُ، وفيه زيادَةُ حَرف يتَضَمَّن عشرَ حَسَناتٍ، والمالكِيَّة تثبت لإِطْلاقِ التَّصَرّف دونَ المَلَكيَّة، وأَيْضًا المَلِكُ مَلِكُ الرَّعِيَّة، والمَالِكُ مالِكُ العبد، وهو أَدْوَنُ حالاً من الرَّعِيَّة، فيَكُونُ القَهْرُ والاسْتيلاءُ في المالكيَّةِ أَكْثَر؛ ولأَنَّ الرَّعِيَّةَ يمكِنُهم إِخْراجُ أَنْفُسهِم عن كَوْنِهم رَعيَّةً، والمَمْلوكُ لا يُمْكِنُه إِخراجُ نفسِه عن كَوْنِه


(١) إعراب القرآن للنحاس: ٣/ ٣٨٧.
(٢) "ملك" بغير ألف قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة، و"مالك" بألف قراءة باقي السبعة، انظر: الحجة لأبي زرعة: ٧٧، والدر المصون: ١/ ٢٨، والنشر: ١/ ٤٧، والإتحاف: ١٩٣.
(٣) الفاتحة: ٤.
(٤) انظر هذا الخلاف: جامع البيان للطبري: ١/ ١٤٨، والكشاف: ١/ ١٢، ومعالم التنزيل للبغوي: ١/ ٥٣، والمحرر الوجيز: ١/ ٣٩، وجامع الأحكام للقرطبي: ١/ ١٤٠، ومفاتيح الغيب للرازي: ١/ ١١٨، وروح المعاني للألوسي: ١/ ١٨١، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ١/ ٧٧.

<<  <   >  >>