للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَمْلُوكًا، وأَيْضًا المَمْلُوكُ يجبُ عليه خِدْمَةُ المالِكِ بخِلافِ الرَّعِيَّةِ مِع المَلِكِ، فلهذه الوُجوه كانَ مالِكُ أكْمَلَ من ملِكِ ومِمَّن قالَ به الأَخْفشُ، وأَبو عُبَيدَةَ.

وقِيل: مَلِك أَمْدَحُ؛ لأَنَّ كُلَّ أَحَد من أَهْلِ البَلَدِ مالِكٌ، والمَلِكُ لا يَكُونُ إِلاّ واحِداً من أَعْظَمِ النّاسِ وأَعْلاهُم، ولأَنَّ سِياسَةَ المُلُوكِ أَقْوَى من سياسَةِ المالِكِينَ، لأَنَّه لو اجْتَمَع عالَمٌ من المُلاّكِ لا يُقاوِمُونَ مَلِكاً واحِداً، قالوا: ولأَنِّه أَقْصَرُ، والظاهِرُ أَنَّ القارِئَ يُدْرِكُ من الزَّمانِ ما يُدْرِكُ فيه الكَلِمَةَ بتمامِها بخِلافِ مالِكِ فإِنَّهَا أَطْوَل، فيَحْتَمِلُ أَن لا يَجِدَ من الزَّمانِ ما يُتمُّها فيه، فهو أَوْلَى وأَعْلَى، ورُوِي ذلك عن عُمَر، واخْتَارَه أَبو عُبَيدٍ". [التاج: ملك].

والواضح من كلام الزبيدي أن العلماء قد انقسموا في توجيه هذا الحرف إلى قسمين:

الأول: يذهب إلى أنهما لغتان والمعنى واحد (١)، قال أبو علي قال السري: "والحجة في ذلك أن المِلْكَ والمُلْكَ يجمعهما معنى واحد، ويرجعان إلى أصل وهو الربط والشد، كما قال الشاعر:

مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ دُونَهَا مَا ورَاءَهَا (٢)

يصف طعنة، يقول شددت بها كفي" (٣).

والقسم الثاني: يرى أنهما لمعنيين مختلفين، وقد فصلوا في اختلاف المعنى بين الصيغتين إلا أنهما جميعا ينطلقون من فكرة العموم والخصوص. وقد اشتد الخلاف بين العلماء في هذا الموضع إلى حد تكاد تسقط معه كل قراءة القراءة الأخرى، وهذا يتناقض مع ثبوت سند القراءتين ووجهيهما، وعدم اتصاف الرب بالصفتين اللتين يتبين له وجه الكمال فيهما؛ وقد رفض السمين الحلبي هذا الخلاف فقال: وهذا غير مرضي؛ لأن كلتيهما متواترة، ويدل على ذلك ما روي عن ثعلب أنه قال: " إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى" (٤).


(١) انظر: البحر المحيط لأبي حيان: ١/ ١٣٦.
(٢) البيت لقيس بن الحطيم، انظر المحرر الوجيز: ١/ ٦٨.
(٣) الحجة لأبي علي: ١/ ٣٤.
(٤) الدر المصون: ١/ ٤٨.

<<  <   >  >>