للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(قَسِيَّةً) (١): قراءة في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (٢).

[التاج: قسو]

ذكر الزبيدي القراءة السابقة وهو بصدد التفريق في المعنى بين: قاسي وقَسِيٍّ (٣) فقال: "قرئ: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً} وهي التي ليست بخالصة الإيمان".

وقد تناول الطبري القراءتين وذكر الحجة فيهما فقال: "قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً". ثم اختلف الذين قرؤوا ذلك كذلك في تأويله. فقال بعضهم: معنى ذلك معنى "القسوة"؛ لأن "فَعِيلَة" في الذم أبلغ من "فَاعِلَة"، فاخترنا قراءتها "قَسِيِّة" على "قَاسِيَة" لذلك. وقال آخرون منهم: بل معنى "قَسِيَّة" غير معنى "القسوة"، وإنما "القَسِيَّة" في هذا الموضع: القلوبُ التي لم يخلص إيمانها بالله، ولكن يخالط إيمانها كُفْر، كالدراهم "القَسِيَّة"، وهي التي يخالط فضّتها غشٌّ من نحاس أو رَصاص وغير ذلك، كما قال أبو زُبَيْد الطائي:

لَهَا صَوَاهِلُ فِي صُمِّ السِّلامِ كَمَا ... صَاحَ القَسِيَّاتُ فِي أَيْدِي الصَّيارِيفِ (٤)

يصف بذلك وقع مَسَاحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور، وهي "السِّلام".

قال أبو جعفر: "وأعجبُ القراءتين إليّ في ذلك، قراءة من قرأ: "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً" على "فعيلة"؛ لأنها أبلغ في ذم القوم من "قاسية". وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوله: "فعيلة" من "القسوة"، كما قيل: "نفس زكيّة" و"زاكية"، و"امرأة شاهدة" و"شهيدة"؛ لأن الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم


(١) بغير ألف قراءة عبد الله وحمزة والكسائي، انظر: معالم التنزيل للبغوي: ٣/ ٣١، ومفاتيح الغيب للرازي: ١١/ ١٤٩، والسبعة لابن مجاهد: ٢٤٣، والحجة لأبي زرعة: ٢٢٣، والدر الصون:٥/ ٢٥٤.
(٢) المائدة: ١٣.
(٣) وانظر أيضا المفاضلة بين المعنيين في: الكشاف: ١/ ٦١٥، والمحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ٣٩٤، والجامع للقرطبي: ٦/ ١١٥، والبحر المحيط: ٤/ ٣٨١، وروح المعاني: ٦/ ٨٩، التحرير: ٧/ ١٢٠.
(٤) المعاني الكبير: ١٠٢٤، ١٠٢٥، وأمالي القالي: ١/ ٢٨، وسمط اللآلئ: ١٢٨، ٩٣١، واللسان (أمر) (صهل) من قصيدته في رثاء أمير المؤمنين عثمان بن عفان، يقول فيها: (يَا لَهْفَ نَفْسِي إنْ كَانَ الَّذِي زَعَمُوا ... حَقًّا، وَمَاذَا يَرُدُّ الْيَومَ تَلْهِيفِي!)، وقبل البيت: (على جَنَابَيْهِ مِنْ مَظَلُومَةٍ قِيَمٌ ... تَعَاوَرَتْهَا مَسَاحٍ كَالْمَنَاسِيفِ)، وبعده: (كَأنَّهُنَّ بِأَيْدِي الْقَوْمِ فِي كَبَدٍ ... طَيْرٌ تَكَشفُ عَنْ جُونٍ مَزَاحِيفِ).

<<  <   >  >>