للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر الزبيدي أن (جاثٍ) جمعه (جُثِيٌّ) بالضَّمِّ؛ مِثْل: جَلَسَ جُلوساً وقَوْم جُلُوس؛ والكَسْر لمَا بَعْده مِن الكسْرِ، يعني للمماثلة. [التاج: جثو].

وقد بين ابن خالويه سبب الكسر والضم في هذه المواضع وما شاكلها - وكأنه في تفسيره هذا ينطلق من قوانين الدرس الصوتي الحديث - فقال في قوله تعالى {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِياً}: "يقرأ بالكسر والضم وما شاكله من قوله: فالحجة لمن قرأ بالكسر أنه نحا ذلك لمجاورة الياء، وجذبها ما قبلها إلى الكسر؛ ليكون اللفظ به من وجه واحد؛ لأنه يثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسر. والحجة لمن ضم أن الأصل عنده في هذه الأسماء الضم؛ لأنها في الأصل على وزن (فعول) فانقلبت الواو فيهن ياء لسكونها، وكون الياء بعدها فصارتا ياء مشددة " (١).

إن الكلمات (عِتِيَّاً، وصِلِيَّاً، وجِثِيَّاً) قد خالف شكلها بنيتها نتيجة الانسجام أو التماثل الصوتي، حيث قرئت هذه الكلمات بكسر الأول وضمه. والكسر لغة (٢) والضم هو الأصل، والكسر جاء اتباعا (٣)؛ ليكون عمل اللسان من وجه واحد؛ لأن اسم الفاعل من "عِتِيَّاً وجِثِيَّاً" عَاتِو وجَاثِو ـ بكسر العين ـ إذ إنه من يَعْتُو ويَجْثُو، ثم انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: غَازٍ والأصل: غَازِو؛ لأنه من (يَغْزُو)، فأصبح اسم الفاعل الواحد "عَاتٍ، وجَاثٍ، وصَالٍ" فجاء الجمع على وزن (فُعُول) تاليا للواحد، فصار "جِثِيّ وعِتِيّ، وصِلِيّ" فكسرت عين (فعول) لكسرة الياء، ثم كسر الأول إتباعا له (٤)، وذكر القرطبي أن الأصل الضم؛ لأن المصدر "عتو" من ذوات الواو، من: (عتا يعتو عتوا)، فأبدلوا الواو ياء؛ لأنها أختها وأخف. وقيل: الضم والكسر لغتان (٥). وقال السمين:"الأصل: عُتُوْوٌ بواوين فاسْتُثْقِل واوان بعد ضمتين، فَكُسِرَتِ التاءُ تخفيفاً فانقلبت الواوُ الأولى ياءً لسكونها وانكسارِ ما قبلها، فاجتمع ياءٌ وواوٌ، وسَبَقَتْ إحداهما


(١) الحجة: ٢٣٥.
(٢) انظر: السبعة: ٤٠٧، والعنوان: ١٢٦، والنشر: ٢/ ٣١٧، والإتحاف: ٢/ ٢٣٥.
(٣) انظر: الكشف عن وجوه القراءات لمكي: ٢/ ٨٤.
(٤) انظر: الحجة لابن خالويه ٢٣٥، والكشف عن وجوه القراءات لمكي: ٢/ ٨٤.
(٥) انظر: جامع الأحكام: ٥/ ٤١٢.

<<  <   >  >>