للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال السمين: "أبو عمرٍو وقالون بإخفاءِ فتحةِ الخاء وتشديدِ الصاد. ونافعٌ وابن كثير وهشام كذلك، إلاَّ أنَّهم بإخلاصِ فتحةِ الخاءِ. والباقون بكسرِ الخاء وتشديدِ الصادِ. والأصلُ في القراءاتِ الثلاثِ: يَخْتَصِمون فأُدْغِمت التاءُ في الصاد، فنافعٌ وابن كثير وهشام نَقَلوا فتحَها إلى الساكنِ قبلَها نَقْلاً كاملاً، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتَها تنبيهاً على أنَّ الخاءَ أصلُها السكونُ، والباقون حَذَفُوا حركتَها فالتقى ساكنان لذلك، فكسروا أوَّلَهما، فهذه أربعُ قراءاتٍ، قُرِئ بها في المشهور" (١).

ويضم إلى هذا القسم من المماثلة ما يحدث من تغير في مضارع صيغتي (تَفَعَّلَ) و (تَفَاعَلَ) وذلك إذا كانت فاء الفعل صوتاً صفيرياً أو أسنانياً. يقول الأستاذ الدكتور: رمضان عبد التواب: "تتأثر التاء بعد تسكينها للتخفيف بفاء الفعل" (٢). ومن ذلك:

(اثَّاقَلْتُمْ) (٣): من قوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} (٤). [التاج: ثقل]

(فَادَّارَأْتُم) (٥): من قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُم فِيهَا} (٦).

[التاج: درأ].

(يَذَّكَّرُ) (٧): من قوله تعالى: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} (٨). [التاج: ذكر]

(تَزَّاوَرُ) (٩): من قوله تعالى: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِم} (١٠). [التاج: زور]

(تَسَّاقَطُ) (١١): من قوله تعالى: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا} (١٢).

[التاج: سقط]

فكلمة (اثَّاقلتُم) من المضارع يتثاقل على وزن (يتفاعل)، وعند الإتيان بصيغة الماضي منه (تثَاقَلَ) على وزن (تَفَاعَلَ)، ثم يتم تسكين التاء للتخفيف فتصير الكلمة (تْثَاقَل)؛ ولأنه لا يصح الابتداء بالساكن جلبت الألف الموصولة للابتداء بها مع بقاء حركة التاء (السكون التخفيفي) كما هي، ثم قلبت التاء الساكنة إلى مماثل فاء الكلمة (حرف الثاء) تبعاً لقانون المماثلة الرجعية حيث أثر الصوت الثاني (الثاء) في الصوت الأول (التاء)، فأصبح لدينا مماثلان جاز إدغامهما في صوت واحد، فوصلت الكلمة إلى صيغتها النهائية وهي (اثَّاقَلْتُم) كما تم توظيفها في الآية القرآنية. وبالتفسير السابق فسر الزبيدي التغيرات التي حدثت لـ (ادَّارَأْتُمْ) فقال: (ادَّارَأْتُمْ) أَصْلُه (تَدَارَأْتُمْ) أُدغِمت التاء في الدَّال لاتحاد المخرج، واجتُلِبت الهمزةُ للابتداء بها ". [التاج: درأ]

كلمة (يذَّكّر) فعل مضارع على وزن (يتفعَّل) حدث فيه مماثلة رجعية حيث تم تسكين تاء التفعّل للتخفيف فأصبح الفعل على صورة (يَتْفَعَّل)، ثم حدثت المماثلة الرجعية عندما أثر الصوت الثاني (الذال) في الأول (التاء) فقلب إلى مماثل للثاني، فوُجِدَ لدينا عندئذ متماثلان فلزم إدغامهما.

أما (تَزَّاوَرُ، وتَسَّاقَطُ) فهما على زنة (تتفاعل)، وصورتهما قبل الإدغام: (تتزاور، تتساقط)، تأثرت تاء التفاعل بصوتي الزاي والسين بعدها، وأدي بها هذا التأثر إلى أن انقلبت زايا في (تززاور) وسينا في (تسساقط)، ثم حدث إدغام المثلين فصارتا: (تَزَّاوَرُ، وتَسَّاقَطُ).

(حَيِيَ) (١٣): قراءة في قوله تعالى: {ويَحْيَ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (١٤). [التاج: حيي].


(١) الدر المصون: ١٢/ ١٧١.
(٢) التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: ٢٩.
(٣) قراءة الجمهور، انظر: معاني الفراء:١/ ٩٥، ومختصر ابن خالويه: ٥٣ والإتحاف: ٢٤٢، ومعجم القراءات للخطيب: ٣/ ٣٨٥.
(٤) التوبة: ٣٨.
(٥) قراءة الجمهور، وانظر بقية القراءات في: مختصر ابن خالويه: ٨، والنشر: ١/ ٢٧٢، والإتحاف: ١٣٩، ومعجم القراءات للخطيب: ١/ ١٢٨.
(٦) البقرة: ٧٢.
(٧) قراءة الجمهور، انظر: الدر المصون: ٦/ ٤٧٨، ومعجم الخطيب: ١٠/ ٣٠٣.
(٨) عبس: ٤.
(٩) قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وأبي جعفر، انظر: النشر: ٢/ ٣٤٨، ومعجم القراءات
(١٠) الكهف: ١٧.
(١١) قراءة أبو بكر، وعاصم، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وابن عامر وشعبة، ويحيى، وخلف وأبي جعفر، انظر: الحجة لابن خالويه: ١٦٣، والنشر: ٢/ ٣٥٧، ومعجم القراءات لأحمد مختار: ٣/ ١٦٣.
(١٢) مريم: ٢٥.
(١٣) فك الإدغام قراءة نافع وعاصم وقنبل وابن شنبوذ وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب وخلف وابن محيصن وشبل والبزي، انظر: السبعة: ٧٦، والنشر: ٢/ ٣١١، وشرح الشاطبية:١٥٣، ومعجم القراءات لمختار: ٢/ ٢٦٨، ومعجم القراءات للخطيب:٣/ ٣٠١.
(١٤) الأنفال: ٤٢.

<<  <   >  >>