للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال آخر (١):

عَيُّوا بأمْرِهُمُ كَمَا ... عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمَامَهْ

فأدغم "عيُّوا"، ويُنْشَدُ: عَيَّتْ وعَيِيَتْ بالإِظهار والإِدغام. فَمَنْ أظهر فلأنه الأصلُ ولأن الإِدغامَ يؤدِّ إلى تضعيفِ حرفِ العلةِ وهو ثقيلٌ في ذاته؛ ولأن الياءَ الأولى يتعيَّن فيها الإظهارُ في بعضِ الصور، وذلك في مضارع هذا الفعلِ لانقلاب الثانية ألفاً في يَحْيَا ويَعْيَا، فَحُمِل الماضي عليه طَرْداً للبابِ؛ ولأن الحركة في الثاني عارضةٌ لزوالها في نحو: حَييت وبابه؛ ولأنَّ الحركتين مختلفتان، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين قالوا: ولذلك قالوا: لَحِِحَتْ عينُهُ، وضَبِبَ المكانُ، وأَلِلَ السِّقاءُ، ومَشِئَتْ الدابة. قال سيبويه (٢): "أخبرَنا بهذه اللغة يونس" يعني بلغة الإِظهار. قال: "وسمعت بعض العرب يقول: أَحْيِياء وأَحْيِيَة فيُظْهر" وإذا لم يُدْغم مع لزومِ الحركةِ فمع عُروضها أَوْلى. ومَنْ أدغم فلاستثقالِ ظهورِ الكسرة في حرفٍ يُجانسه؛ ولأنَّ حركةَ الثانية لازمةٌ؛ لأنها حركةُ بناء، ولا يَضُرُّ زوالُها في نحو حَيِيْتُ، كما لا يضرُّ ذلك فيما يجب إدغامُه من الصحيح نحو: حَلَلْتُ وظَلَلْتُ وهذا كلُّه فيما كانت حركتُه حركةَ بناءٍ؛ ولذلك قُيِّد به بالماضي، أمَّا إذا كانت حركةَ إعراب فالإِظهارُ فقط له: يُحْيِِيَ ولن يُعْيِِيَ" (٣).

نخلص من هذا المبحث إلى أن الإدغام والإظهار لغتان عرفتهما العربية، والإظهار هو الأصل وهو لغة الحضر، والإدغام فرع عنه، وهو لغة البدو الذين سكنوا قلب الجزيرة وشرقها. وقد قطعت الدراسة الصوتية الحديثة بأن السبب الداعي للإدغام هو طلب الخفة في النطق، أي الميول إلى توفير الجهد. كما تبين أن حدوث الإدغام تنحصر في قوة الصوت، فالصوت القوي هو الذي يفرض على الصوت الضعيف أن يماثله ثم ينصهر فيه. وهذه القوة تنحصر في:


(١) عبيد بن الأبرص، انظر: أدب الكاتب لابن قتيبة:١٤، والحيوان للجاحظ: ١/ ٢٣١.
(٢) انظر: الكتاب: ٤/ ٣٩٧.
(٣) الدر المصون للسمين الحلبي: ٧/ ٣٩٨، ٣٩٩.

<<  <   >  >>