هل نرتدي الأكفان انتظارًا للنهاية؟!
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، القدير المقتدر، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا ما أراد شيئًا فإنما يقول له: كن. فيكون.
والصلاة والسلام على البشير النذير محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالغالبية العظمى من المسلمين في شتى بقاع العالم، يتفقون على صعوبة الوضع الذي تمر به الأمة الإسلامية، وعلى كثرة الفتن التي تحيط بها، وعلى أن الحال يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، إلا أن هذا الاتفاق لا يستمر إذا ما تطرق الحديث إلى التشخيص والعلاج.
بمعنى أنك إذا ما ذكَّرت محدثيك بأن هذا الواقع الأليم الذي تحياه أمتنا منذ عقود طويلة ما هو إلا نتيجة لتفشى مرض ضعف الإيمان، والتخلي عن حمل الرسالة التي شرف الله الأمة بها، وأنه لن يتغير هذا الواقع إلا إذا تغيرت نفوسنا، وامتلأت قلوبنا بالإيمان، وأن أفضل وسيلة لذلك هي التعامل الصحيح مع القرآن ...
إذا ما ذكَّرتهم بهذا الحل الذي أرشدنا إليه مالك هذا الكون، ومدبَّر أمره، وأكد عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنك لا تكاد تجد آذانا مصغية لك وكأنه ينبغي علينا أن نظل في هذا التيه، ونرتدي الأكفان منتظرين أن تحين نهايتنا وتقوم قيامتنا!!
أو ننتظر - كما يقول البعض - حتى يظهر المهدي، أو ينزل المسيح عليه السلام!!
لقد انطبق حال الأمة الإسلامية اليوم - إلى حد بعيد - مع حال أصحاب الغار، الثلاثة الذي كانوا في سفر، وأرادوا أن يستريحوا قليلا فوجدوا غارًا في بطن جبل فدخلوا إليه، لتأتي العواصف والرياح فتزحزح صخرة وتدحرجها حتى تقف أمام باب الغار، وتسده بالكلية، وعبثا يحاول الثلاثة أن يزحزحوا الصخرة ولكنها لم تتحرك قيد أنملة .. فماذا يفعلون؟!
هل دب اليأس إليهم؟! لا، لم يحدث هذا بل تذكروا أن للصخرة والغار ربا هو ربهم ورب كل شيء ومليكه .. تذكروا قدرته المتناهية، وقيوميته الدائمة عليهم وعلى الكون كله، فأقبلوا عليه متضرعين، متبئسين، منكسرين، وبداخلهم يقين بأنه لن ينجيهم سواه ..
وعندما تلبست بهم هذه الحالة، وامتلأت قلوبهم بالإيمان واليقين بأنه لن ينجيهم سوى الله تحركت الصخرة تدريجيا، ليخرجوا بعد ذلك من الغار سالمين.
ونحن الآن نعيش في مرحلة انطباق الصخرة على فوهة الغار وجميعنا بداخله، ولقد جربنا لإزاحة تلك الصخرة حلولا كثيرة فلم تنجح، فلماذا - إذن - لا نفعل مثل ما فعل الثلاثة ونتوجه توجها صادقا نحو من بيده إخراجنا، ونسير وفق ما دلنا عليه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عندما أكد على الطريقة التي بها يمكن للأمة أن تخرج من أي كبوة تمر بها؟!
[لماذا لا نتجه إلى المخرج الصحيح؟!]
نعم، إن الفتن التي تمر بالأمة في غاية القسوة والخطورة، ولكن لا زال الأمل موجودًا، والمخرج ميسرًا لنا جميعا للخروج من هذه الأزمة، وللنهوض من جديد، وذلك من خلال حسن الاتصال بالقرآن والاغتراف من منابع الإيمان فيه، فتتغير تبعا لذلك نفوسنا، ونعود فنحمل رسالتنا، فنستدعي بذلك رضا الله عز وجل فتنفرج الصخرة، وتعود أمتنا لسيرتها الأولى .. الأمة الرائدة، وتعتلى مقعد الأستاذية للبشرية جمعاء .. أستاذية الهداية {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣].