للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العمود الفقري للإيمان]

مشكلة أمتنا الأولى هي: «ضعف شديد في الإيمان».

هذا هو التشخيص الصحيح للوضع القائم، ليبقى السؤال عن كيفية علاج هذا الضعف الحاد.

بلا شك هناك وسائل كثيرة لزيادة الإيمان، فالطاعات والأعمال الصالحة والقربات المختلفة تزيد الإيمان، ولكن تبقى أهم وأعظم وسيلة لزيادته هي: القرآن {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢]. فالقرآن منبع عظيم للإيمان لا مثيل له .. ألا تراه ينادي على الجميع أن هلموا إلىَّ واستكملوا نقص إيمانكم، فمنابعي ممتلئة وجاهزة لإمدادكم جميعًا بما تحتاجونه من إيمان {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: ١٩٣].

يقول محمد بن كعب القرظي: «المنادي هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم» (١).

فالقرآن له قوة تأثير ضخمة على القلوب لا يناظره فيها مصدر آخر .. وكيف لا، وهو كلام رب العالمين الذي إذا استقبلته الجبال الرواسي تصدعت واندكت من قوة تأثيره عليها {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ} [الحشر: ٢١].

فإن كان الإيمان للقلب كالروح للبدن، فإن القرآن يمثل العمود الفقري لهذا الإيمان؛ لذلك ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروح: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢].

يقول مونتاي: إن مثل الفكر العربي الإسلامي المبعد عن التأثير القرآني كمثل رجل أفرغ من دمه (٢).

إن القرآن - كما يقول محمد إقبال- ليس بكتاب فحسب .. إنه أكثر من ذلك، إذا دخل القلب تغير الإنسان وإذا تغير الإنسان تغير العالم (٣).

ويقول د. فريد الأنصاري: إنه لا شيء أقدر من القرآن على بناء الإنسان: عقيدة وعبادة وسلوكا اجتماعيا.

إن القرآن هو مفتاح النفس الإنسانية، فمن أخطأ القرآن فقد أخطأ المفتاح (٤).

[أنتم روح جديد]

ولو تأملنا في دعوات المصلحين لوجدناها تنطلق من هذا المفهوم.

فهذا إمام الدعاة في العصر الحديث حسن البنا يخاطب من حوله وهو يعرِّفهم بمهمتهم فيقول: أنتم روح جديد يسري في قلوب هذه الأمة فيحييه بالقرآن (٥).

وهذا محمد البشير الإبراهيمي صديق عبد الحميد بن باديس ورفيق كفاحه يقول عنه: وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح، والتربية، والتعليم، وهو أنه: (لا فلاح للمسلمين إلا بالرجوع إلى هدايته، والاستقامة على طريقته)، وهو رأي الهداة المصلحين من قبله (٦).

وهذا أبو الأعلى المودودي يقول: يا أيها المسلمون احملوا القرآن وانهضوا، وحلِّقوا فوق العالم، فليس من شأننا أن نلهث وراء العالم، بل علينا أن نشده إلى مبادئنا وأصولنا.

إن حياتي ومماتي وقف على هذا الهدف النبيل، وسوف أسير قُدُما، حتى لو لم يتقدم معي أحد، وسوف أسير وحيدًا إذا لم يرافقني أحد، ولو اتَّحدت الدنيا وخالفتني، فلن أخشى خوض المعركة وحيدًا منفردًا (٧).


(١) فضائل القرآن لأبي عبيد ص٥٨، ويؤكد الطبري على ذلك ويرد على من يقول بأن المنادي هو النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: وأولى القولين في ذلك بالصواب هو قول محمد بن كعب، هو أن يكون المُنادي القرآن، لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات ليسوا ممن رأى النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى نداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذا سمعوا كلام الله يُتلى عليهم أنهم قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا - يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} تفسير ابن جرير ٤/ ٢١٢ - ٢١٣.
(٢) قالوا عن القرآن لعماد الدين خليل ص ٢٨٧، ملحق لكتاب إشارات الإعجاز لبديع الزمان النورسي.
(٣) روائع إقبال للندوي ص ١٥٨ دار القلم - دمشق.
(٤) البيان الدعوي د. فريد الأنصاري - ص ٢٦٠ - دار الكلمة - مصر.
(٥) رسالة بين الأمس واليوم.
(٦) حسن البنا ومنهجه في تفسير القرآن ص ٧٣.
(٧) المصدر السابق ص ٩٠.

<<  <   >  >>