للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عطايانا سحائب مرسلات]

ولقد اجتهد شاعر الإسلام- محمد إقبال- في بيان وتأكيد هذا المعنى في قصائده، وكان من أبرزهما قصيدتان حاول بهما -كما يقول محمد حسن الأعظمي-: أن يستحث همم المسلمين إلى طلب الرفعة، والطموح إلى المجد، أما أولاهما فقد اتجه بها إلى الله تعالى شاكيا ما أصاب المسلمين من الأحداث التي تخلفت بهم عن ركب الحضارة، وهم الذين حملوا شعلتها، ورفعوا مصباحها لعصور الدهر وأجياله (١)، وهي بعنوان «شكوى» فكان مما جاء فيها:

كنا جبالا فوق الجبال وربما ... سرنا على موج البحار بحارا

بمعابد الإفرنج كان أذاننا ... قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها ... سجداتنا والأرض تقذف نارًا

ثم يشتكي قائلا:

ماذا دهى الإسلام في أبنائه ... حتى انطووا في محنة وعذاب؟!

فثراؤهم فقرٌ ودولة مجدهم ... في الأرض نهب ثعالب وذئاب

عاقبتنا عدلاً فهب لعدونا ... عن ذنبه في الدهر يوم عقاب

عاشوا بثرواتنا وعشنا دونهم ... للموت بين الذل والإملاق

أما القصيدة الثانية؛ فهي جواب الشكوى، تخيَّلها إقبال «صوتا سماويا» يدوي بصيحة الحق جوابا لهذه الشكوى (٢)، وسنذكر- أخي القارئ- بعضا منها، وهي تؤكد المعني الذي تحمله هذه الصفحات، ألا وهو أن بلاءنا الشديد هو ضعف العزم والإرادة لفعل الخير وبلوغ الآمال العظيمة بما يرضي الله عز وجل ..

يقول إقبال (٣) ..

عطايانا سحائب مرسلات ... ولكن ما وجدنا السائلينا

وكل طريقنا نور ونور ... ولكن ما رأينا السالكينا

ولم نجد الجواهر قابلات ... ضياء الوحي والنور المبينا

ولو صدقوا وما في الأرض نهر ... لأجرينا السماء لهم عيونا

وأخضعنا لملكهم الثريا ... وشيدنا النجوم لهم حصونا

ولكن ألحدوا في خير دين ... بنى في الشمس ملك الأولينا

تراث (محمد) قد أهملوه ... فعاشوا في الخلائق مهملينا

لقد ذهب الوفاء فلا وفاء ... وكيف ينال عهدي الظالمينا

إذ الإيمان ضاع فلا أمان ... ولا دنيا لمن لم يحيى دينا

لأي مآثر القوم انتسبتم ... لتكتسبوا فخار المسلمينا؟

وأنتم تطمحون إلى الثريا ... بلا عزم ولا قلب سليما

* * *

ما الذي يمنعك

أن تكون ذلك الرجل؟!

بعد أن تذكرنا سويا هذه الحقائق، وبعد أن تأكدنا أن مفتاح نجاح كل فرد بيده، وعليه يتنزل به توفيق الله تعالى، فما رأيك لو اعتبر كل واحد منا أن هذا الكلام موجهٌ إليه، وأنه ذلك الرجل الذي سيغير الأمة بإذن الله؟!

بلا شك أن قوة العزيمة والتصميم والإصرار على فعل شيء (ما) هو المفتاح الأساس للوصول إليه- بأمر الله- كما أسلفنا.

هذا المفتاح يمكننا أن نستخدمه في أمور معيشتنا على مستوانا الشخصي، وهذا أمر لا غبار عليه، ولكن الأهم من ذلك هو استخدامه لإصلاح أمر هذه الأمة التي توارت بالحجاب، وأصبحت (غثاء كغثاء السيل) بعد أن كانت (خير أمة) ..

فمن لهذه الأمة سوي رجال عقدوا العزم الأكيد، وصمموا على بلوغها مجدها من جديد؟!

إن الرجل- كما يقول الإمام حسن البنا- سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات (٤).

إن الأمة تحتاج إلى رجال كما وصفهم الكواكبي:

ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون.

فلماذا لا تكن أنت من هؤلاء الرجال؟


(١) حديث الروح شعر محمد إقبال وعربه شعرًا الصاوي وشعلان ص ٢١ - دار القلم دمشق.
(٢) حديث الروح، شعر محمد إقبال، ص ٦٣.
(٣) قام بتعريب شعر إقبال الصاوي شعلان انظر المصدر السابق.
(٤) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا- رسالة هل نحن قوم عمليون؟ ص ٦٨ - دار التوزيع والنشر الإسلامية- مصر.

<<  <   >  >>