من الأمور التي من شأنها أن توهن العزائم، وتعود بنا القهقرى: التعلق بالدنيا، وتشُّعب الهموم في أوديتها، والحرص على العلو فيها من أجل تحقيق الذات، والمجد الشخصي للفرد، ولقد أوضح القرآن الكريم هذا المعني، وبين أن من أهم أسباب عدم بذل الجهد في سبيل الله هو التعلق بالدنيا وطينها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}[التوبة: ٣٨].
وليس معني هذا هو ترك الدنيا، أو الانعزال عنها، أو عدم السعي في تحصيل أسباب الرزق منها؛ بل المقصد هو عدم انشغال القلب بها، أو استغراق الأوقات فيها، وتعلق النفس بزهرتها، لأن هذا هو رأس الخطايا والعياذ بالله تعالى.
[الخروج من التيه]
إن المرحلة التي تعيشها أمتنا اليوم تتشابه إلى حد كبير بمرحلة التيه التي عاشها بنو إسرائيل بعد رفضهم دخول الأرض المقدسة.
فبعد أن نجى الله عز وجل موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وجنده، سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل متوجها نحو الأرض المقدسة، وطلب منهم أن يدخلوها معه، فلما علموا أن فيها قوما أشداء خافوا من مواجهتهم ورفضوا الدخول، وقالوا لموسى عليه السلام:{إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة: ٢٤].
فكان العقاب الإلهي بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة وجاء الحكم الصارم:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}[المائدة: ٢٦]، وظل بنو إسرائيل خلال هذه المدة يبحثون عن مخرج من التيه، وكلما توهموا مخرجا اندفعوا إليه، وبذلوا فيه جهدهم، ليفاجأوا بعد ذلك أنه ليس سوى سراب.