[من يستحق العقوبة أكثر؟]
ولتأكيد هذا المعنى إليك- أخي القارئ- هذا المثال:
تخيل أن أبا من الآباء يعيش في بلد بعيد عن أبنائه، وقد بلغه أنهم جميعًا أصيبوا بمرض عضال وأن هذا المرض في سبيله للقضاء عليهم إن لم يتداركوه، فبحث عن الدواء الذي يعالج هذا المرض فوجده لكنه لم يستطع السفر به إليهم لظروف كثيرة تحيط به، فأرسل في طلب أرجحهم عقلا وأعطاه الدواء، ثم شدَّد عليه بأن يتناوله أولا، ثم يتولى توصيله لإخوته، وأن يتعاهدهم في تناوله حتى يبرؤوا جميعًا، وأكد عليه أن يثابر على ذلك حتى يتم شفاؤهم جميعًا بإذن الله، وله نظير ذلك المكافآت العظيمة والحظوة والقرب، وفي المقابل سيكون الغضب الشديد والحرمان والعقوبة في انتظاره إن قصَّر في مهمته، ثم حمَّله ببعض الهدايا له ولإخوته.
عاد الولد إلى وطنه، فماذا فعل؟ انشغل بما حمله من هدايا وأموال، ونسي وصية أبيه فأهمل نفسه فلم يأخذ الدواء، وترك إخوته فريسة المرض العضال. فماذا تظن أن يكون رد فعل أبيه تجاهه؟ وهل ستظل منزلته عنده كما كانت، وهل سيكون غضبه عليه وعلى تقصيره في التداوي، وإهماله لإخوته مثل غضبه من تقصير إخوته في علاج أنفسهم سواء بسواء، أم سيكون غضبه عليه أشد وأشد؟!
ما الذي يُرضي الله؟
معنى ذلك أنه لا بديل من أن نبدأ بالإسلام الشامل فنقيمه في أنفسنا، ثم في أرضنا، ثم ننتقل به إلى العالم أجمع.
أو بعبارة أخرى: لن يتم حل المشكلة التي نعاني منها، والخروج من النفق المظلم الذي نسير فيه إلا إذا استبدلنا غضب الله برضاه حتى يوقف سبحانه عقوبته عنا {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠].
فكيف لنا أن نفعل ذلك؟!
ما الذي يريده الله منا كي يرضى عنا وينصرنا؟
عدت إلى القرآن ثانية وبحثت فيه عن إجابة لهذه التساؤلات فوجدت أن الأمر واضح تمام الوضوح, فالله عز وجل يريد منا عدم الشرك به, يريد أن نخلص أعمالنا كلها له، فلا نتعلق بغيره، ولا نعتقد أن هناك من يملك نفعنا أو ضرنا سواه.
يريد منا أن نقيم شرعه ونرفع رايته.
يريد منا أن نطيعه ولا نعصيه, أن نصلي الصلاة على وقتها, أن ترتدي نساؤنا الزي السابغ الساتر الذي لا يصف ولا يشف.
يريد منا أن نغض أبصارنا عما لا يحل لنا, يريد منا أن نكف عن سماع الأغاني الخليعة والموسيقى الماجنة, يريد منا إلا يخلو الرجال بالنساء.
يريد منا أن تكون عزتنا به وحده, لا بمناصبنا أو نسبنا أو أموالنا، أو ... إلخ.
ويريد منا أن نحبه ونحب رسوله أكثر مما نحب أهلنا وأبناءنا وأموالنا وعقاراتنا.
يريد منا أن نتحد ولا نتفرق، وأن نتآخى فيه, وأن نتعامل بالإحسان فيما بيننا.
يريد منا أن ننطلق بالدعوة إليه في كل مكان، فنرد التائهين، ونرشد الحائرين، ولا يهدأ لنا بال حتى يكون الدين كله لله.
فإن لم نفعل، وظل الحال على ما هو عليه، فلا تسل عن أي تحسن للوضع القائم، وعن أي أمل في التغيير، بل عليك أن تنتظر الأسوأ والأسوأ.
وكيف لا والله لا يخُلف وعده، ولقد وعدنا بعظيم المثوبة إن فعلنا ما يرضيه، ووعدنا كذلك بالعقوبة إن خنا أمانته، وابتعدنا عن طريقه، ولقد تحقق وعده سبحانه بالعقوبة، وإن لم نسارع ونبادر باسترضائه وحمل أمانته فستستمر العقوبة، وستتضاعف.
* * *