أرأيت- أخي القارئ- كيف شخَّص رسولنا صلى الله عليه وسلم حالة أمتنا في مأزقها الراهن وكأنه يعيش بيننا.
أرأيت كيف وصف حالا للأمة تكون فيه «مفعولا به» وليست «فاعلا»، وأن السبب وراء هذا الوضع المخزي المهين ليس نقصا في العدد ولا العدة ولكن السبب هو حب الدنيا وسيطرتها على القلب، واستيلاؤها على إرادة الإنسان.
[مشكلتنا مشكلة إيمانية]
إن مشكلة أمتنا هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمانية، فكلما تمكن حب الدنيا من القلب نقص الإيمان, وكلما نقص الإيمان ازداد التثاقل في أداء التكاليف والواجبات، ومن ثمَّ ازداد التقصير في جنب الله، وازداد الانكفاء على الذات، والتعلق بالأرض والطين، وازداد تبعا لذلك غضب الله علينا.
معنى ذلك أن نقطة البداية الصحيحة للخروج من المأزق الراهن هي أن نبدأ بالإيمان فنقويه فتقل تبعًا لذلك مساحة حب الدنيا في القلب، وتنفك القيود والأثقال، فيسهل على المرء القيام بالواجبات المختلفة، ويكون دوما في حالة من الانتباه واليقظة.
يبحث عن كل ما يرضي ربه ليفعله، وكل ما يغضبه فيجتنبه.
[الإيمان وحده لا يكفي]
ومع الأهمية القصوى للإيمان، وكونه يُشكِّل نقطة البداية الصحيحة لعودة المجد لأمتنا، إلا أنه لا يكفي وحده، بل لا بد أن يترجم هذا الإيمان إلى أعمال صالحة تبني ما تهدَّم، وتقيم المشروع الإسلامي للنهضة بخطواته ومراحله المختلفة، فالله عز وجل يريد منا قلبًا حيا مفعما بالإيمان، متعلقًا به، متوكلا عليه، ويريد منا كذلك بذل الوسع والطاقة في سبيل إقامة دينه, فإن رأى منا ذلك كانت معونته وولايته ونصرته في انتظارنا.
فالولاية من الله عز وجل على قدر ذلك، واستمرارها باستمراره، وزيادتها ونقصانها مرتبطين بزيادة الإيمان ونقصانه {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩].
[لسنا كبقية الأمم]
إن مشكلة أمتنا ليست في المقام الأول بسبب نقص الكفاءات، ولا الثروات، ولا الأعداد، بل هي نقص في الإيمان، وأي تجاوز لهذا التشخيص سيزيدنا حيرة وضياعا.
وليس معنى هذا- كما أسلفنا- هو الانشغال بتقوية الإيمان فقط بل علينا بذل الجهد، والتحرك في كل المجالات وإيجاد الكفاءات المختلفة شريطة أن يكون ذلك مصاحبًا للعمل الدائم على تقوية الإيمان، وكيف لا وكلما ازداد الإيمان ازدادت قيمة الفرد عند الله، وازدادت تبعًا لذلك معيته وكفايته ونصرته له.
فإن قلت: إن الأمم الأخرى تقدمت لأنها امتلكت أسباب الرقي، وانتفعت بقوانين التسخير في الأرض مع كفرها بالله.
نعم، حدث لها هذا بالفعل, ولكنه لن يحدث معنا مهما فعلنا مثلهم وتجاوزنا البدء بالإيمان أما سبب ذلك فهو أننا لسنا كبقية الأمم، فنحن مكلفون ومنتدبون من الله عز وجل لهداية البشرية، فإن قصرنا مع أنفسنا أو مع الآخرين كان العقاب الخاص في انتظارنا كما أشرنا في مثال الأب والدواء.