تخيل معي- أخي القارئ- الواحد من الصحابة وهو يجلس مع القرآن ساعات وساعات يقرأ بفهم وتدبر ويتأثر بآياته، ويبكي معها, على أي حال سيكون بعد هذه القراءة؟!
بلا شك سيكون محلقًا في آفاق عليا، وسيقترب ويقترب من ربه، وسيتعلم ما لا يعلمه، وسيتذكر ما قد نسيه، وستتولد داخله طاقة جبارة تدفعه دفعًا شديدًا لعمل الخير
لقد وصل ارتباطهم بالقرآن لدرجة أنهم كانوا يبحثون عن حل لأي مشكلة تواجههم في طياته، كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في القرآن.
كان الصحابة- رضوان الله عليهم- يدركون أن السر وراء رفعة هذه الأمة، وأفضل قائد يمكنه قيادتها إلى الله هو القرآن، لذلك كانوا شديدي الحرص على ألا ينشغل من بعدهم بشيء غيره, فإن كنت أخي الحبيب في شك من هذا فأقرأ معي هذا الخبر.
ذهب اثنان من التابعين إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لكي يطلعوه على صحيفة أعجبتهم وبهرتهم، وظلا في انتظاره حتى خرج إليهما، وأخبراه بسب مجيئهما، فماذا فعل؟! قال: يا خادم, هات الطست، وأخذ الصحيفة ووضعها في الطست وسكب الماء ليمحو ما فيها ويقول:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}[يوسف: ٣].
يفعل ذلك وهما يقولان له: انظر فيها, إن فيها حديثًا عجبًا، فيرد عليهما بقوله: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. (١)
لقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يريد أن ينبههم إلى أهمية القرآن، وضرورة الانشغال به، وملء القلب بمعانيه، وليس معنى ذلك ترك القراءة في الكتب أو عدم الاستفادة من الوسائل الأخرى، ولكن بقدر محدود لا يشغل المرء عن تعامله المستمر وانشغاله بالقرآن.