[بنو إسرائيل والرسالة]
اختص الله عز وجل بالرسالة -في السابق- أمة بني إسرائيل، وفضلهم على غيرهم من الأمم، وجعل فيهم الأنبياء ليقوموا بحق الرسالة في ذواتهم أولاً بالتطبيق، ومع البشرية بالإبلاغ والدعوة {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:١٢٢].
فزعموا أن هذا التفضيل خاص بهم وبذواتهم وجنسهم السامى، فاغتروا بذلك وتكبروا على الجميع وادعوا قائلين {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨].
لقد أعماهم الكبر والشعور بالتميز والاستعلاء على الآخرين عن القيام بحق الرسالة مع أنفسهم، فلم يؤدوا حقها العظيم باتباعها وتبليغها لمن حولهم من البشر، بل واعتبروا الجميع دونهم بكثير في المرتبة والمنزلة ومن ثم فهم لا يستحقون الهداية ولا ينبغى أن يتعرفوا عليها، بل عليهم أن يظلوا هكذا كالأنعام .. وقاموا بتحريف الرسالة بحيث تخدم كبرهم واستعلاءهم على الجميع، وتتيح لهم استباحة أموالهم ودمائهم .. تقول أحد نصوص أسفارهم المفعمة بالدعوة إلى الإبادة الجماعية: (ونهب الإسرائيليون لأنفسهم كل غنائم تلك المدن، أما الرجال فقتلوهم بحد السيف فلم يبق منهم حي) (١).
ويقول أحد حاخاماتهم (إبراهيم أفيدان): على غير اليهود أن يقبلوا بالعبودية، وعليهم الا يسيروا ورؤسهم مرفوعة في وجوه اليهود (٢).
[الإستبدال الخطير]
استمر طغيان بنى إسرائيل قروناً عديدة، واستمر حلم الله وصبره عليهم لعلهم يعودون إلى رشدهم، وينتبهون لمهمتهم، وتوالت عليهم الابتلاءات المتنوعة من الله عز وجل لعلهم يرجعون إلى الحق {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:١٦٨].
ومع توالي الآيات المذكرات لهم، إلا أنهم لم يفيقوا من غرورهم وصلفهم، ولم يعودوا إلى الخالق، ولم يلتزموا بما كُلِّفوا به {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:٢١١].
[ماذا حدث بعد ذلك؟!]
ماذا حدث بعد توقفت مسيرة هداية البشرية سنوات طوال؟! ..
حدث أمر بالغ الأهمية للبشرية جمعاء، فلقد استُبدلت هذه الأمة الخائنة لأمانة ربها، لتحل محلها أمة الإسلام، فتحمل الأمانة وتتولى المهمة.
* * * *
[النعمة العظمى لأمة الإسلام]
لقد أكرم الله عز وجل أمتنا واختصها برسالة الإسلام، وهذا فضل عظيم منه سبحانه على كل مسلم في هذه الأمة
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:٣].
هذه النعمة العظيمة تستوجب من أبناء الأمة أمرين عظيمين:
الأول: أن يقوموا بأداء تكاليف الرسالة في ذواتهم، ويكونوا بذلك مثلا عالياً للناس.
والثانى: أن يعملوا على توصيل هذه الرسالة، وتبليغها للبشر في شتى أنحاء الأرض، وأن يبذلوا في ذلك غاية جهدهم، وأن يسعوا سعياً حثيثاً لإيصالها إلى من يمكنهم الوصول إليه من الناس في مشارق الأرض ومغاربها حتى ينقذوا -بإذن الله- كل من بداخله خير وشوق إلى الهداية، وحتى لا يكون لأحد حجة أو ذريعة يتذرع بها لكفره أو شركه بربه ... فإذا ما كان يوم القيامة قام أبناء أمة الإسلام في كل عصر بالشهادة أمام الله عز وجل على أبناء عصرهم بمدى قبولهم أو رفضهم الإيمان بما تضمنته الرسالة.