إن أمة الإسلام أمة جهاد فبه تؤدي الأمانة وتنجح في المهمة التى كلفها الله بها {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:٤١].
لذلك عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه، فأعادواعليه مرتين أو ثلاثاكل ذلك يقول: "لاتستطيعونه" ثم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يَفْتُر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد" (٣).
وغنى عن البيان أن للجهاد صورا كثيرة يجمعها معنى "الجهاد" وهو بذل الجهد في سبيل الله، تأمل قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: ١٥٧]، فلقد جمع الله عز وجل في هذه الآية بين من يقتل في سبيل الله وبين من يموت دون قتالوهو في سبيل الله، وجعلهما مشتركين في الأجر.
إن توصيل رسالة الله عز وجل للبشر يحتاج إلى بذل حقيقى للجهد وتضحية عظيمة بالغالى والنفيس، وصبر وثبات على المحن والعقبات التى تعترض طريق توصيل الرسالة، فلا راحة للمسلمين حتى يكون الدين كله لله.
لقد (فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لا مناص منها ولا مفر معها، ورغب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم، ومن اقتدى بهم في جهادهم، ومنحهم من الامتيازات الروحية والعملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنح سواهم، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبشع النعوت والصفات ووبخهم على الجبن والقعود، ونعى عليهم الضعف والتخلف، وأعد لهم في الدنيا خزياً لا يُرفع إلا أن جاهدوا، وفي الآخرة عذاباً لا يفلتون منه ولو كان لهم مثل أحد ذهباً) (٤)
[ماذا لو فرطنا؟!]
إن اتفقت معي -أخي القارئ- على ذلك، وقرأت آيات وأحاديث الجهاد من هذا المنظور، فستدرك -كما أدركتُ- مدى التقصير والتفريط الذى وقعت فيه الأمة في حق البشرية، بتخلِّيها عن هذا الأمر الإلهي، وخيانتها لواجب البلاغ، وستدرك كذلك مدى خطورة تفريط الأمة في التطبيق الصحيح للرسالة في ذاتها، لأن التطبيق الصحيح للإسلام يُسعد أبناءه ويدفعهم لبذل غاية الجهد لإنقاذ غيرهم.
فإن كان الأمر كذلك، فإن تفريط الأمة في القيام بهذين الأمرين (أن تتمثل في ذاتها الرسالة، وأن تقوم بتبليغها) يضعها في دائرة الوعيد والغضب الإلهي، وكيف لا؟ وهي بذلك تكون قد قصرت في أداء الأمانة التى ائتمنها الله عليها، وتخلت عن موقعها الريادي للبشرية، وما ينتج عن ذلك من ضياع الكثيرين والكثيرين حين يموتون على الكفر فيضيع ما فيهم من خير مخبوء وشوق إلى الهداية.
إن الخسارة التى تخسرها البشرية بتخلى أمة الإسلام عن وظيفتها خسارة فادحة، فالآلاف -كل يوم- يموتون على الضلالة والكفر، ولو أن الرسالة قد بلغتهم بطريقة صحيحة لآمن الكثيرون منهم.
* * * *
[لماذا نعاقب؟!]
لعل ما قيل في الأسطر السابقة يجيب عن الأسئلة التى تتردد على ألسنة المسلمين كلما ازداد حال الأمة سواءاً، وكلما تعالت هجمات أعدائها عليها .. فمن هذه الأسئلة:
لماذا نُعاقب بهذه العقوبات المتوالية؟ إلى متى الذل والهوان الذى تعيشه أمتنا منذ أمد بعيد؟ لماذا يتركنا الله هكذا نُسام سوء العذاب من اليهود وغيرهم وهو سبحانه قادر على أن يكف بأسهم عنا وينصرنا عليهم؟
إن الرؤية الإيمانية لهذه العقوبات لابد وأن تنطلق من عدة أمور: