ولكي يستفيد المسلم من الذكر ويواطىء لسانه قلبه فيحدث فيه الأثر المطلوب لابد من ربطه بعبادة التفكر، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران: ١٩٠،١٩١) يقول حسن البصري: إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر علي الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا القلوب فنطقت بالحكمة.
فالبداية تكون بالتفكر في مجال من المجالات ثم يتبع ذلك بالذكر المناسب له فعلى سبيل المثال .. إذا تفكر المرء في ذنوبه وتقصيره في جنب الله، عليه أن يتبعه بالإستغفار.
وإذا ما تفكر في بديع صنع الله وآياته في النفس والكون اتبع ذلك بالتسبيح والحمد، وعندما يتفكر العبد في حاجاته الماسة إلي الله وفقره الذاتي إليه ردد بعده ذكر: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا في بقية الأذكار.
فعلينا أن نضع لأنفسنا أوراداً من الذكر نلتزم بها ونعمل على مواطأة القلب اللسان فيها، ولنعلم أن الثواب التام على قدر العمل التام، فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض.
وفي أذكار الصباح والمساء وكذلك أذكار الأحوال معاني عظيمة علينا أن نتدبرها ونحن نردد تلك الأذكار في أوقاتها.
- عاشرا: محاسبة النفس
بعد مرور عدة أيام من رمضان تصبح النفس سهلة القيادة .. عند ذلك علينا أن نبدأ في محاسبتها علي ما مضى من أعمال. وهناك مجالات كثيرة لمحاسبة النفس تتناول حياة المسلم من جميع جوانبها، على الواحد منا أن يقف أمام كل بند من بنودها ليعرف أين تقع أقدامه بالنسبة إليه. وحبذا لو سجلنا الذنوب وأوجه التقصير ليكون ذلك دافعاً لحسن التوبة وتصحيح المسار.
مجالات المحاسبة:
أ- عبادة الجوارح: مثل الصلوات الخمس في أول وقتها في المسجد، السنن الرواتب، أذكار الصلاة، صيام رمضان وصيام التطوع، مداومة الإنفاق في سبيل الله، أذكار الصباح والمساء، تحرى السنة في الأقوال والأفعال.
ب- معاصي الجوارح: مثل الغيبة والنميمة، السخرية، الإستهزاء بالآخرين، الجدل والمراء، إفشاء السر، الغمز واللمز، الكذب اللغو والثرثرة، عدم غض البصر، الخوض في الباطل، سرعة الغضب، إخلاف الوعد.
ج- عبادات القلب: الخشوع في الصلاة، الخوف من الله واستشعار مراقبته، الرضا بقضاء الله وقدره، التوكل علي الله، الصبر عند المصيبة، الشكر عند ورود النعم .....
د- معاصي القلوب: الإعجاب بالعمل والتسميع به، الضيق بالنقد، الحسد، الغرور، المباهاة، المن بالعطايا، إتباع الهوى، احتقار الآخرين، وسوء الضن بهم.
و- الحقوق: حقوق الزوجة، والأولاد، الوالدين، الرحم، الجيران، حق الطريق، الدعوة، الأخوة.
ى- السلوكيات وفضائل الأعمال: السعي لقضاء حوائج الناس، لين الجانب، التواضع، عيادة المريض، إتباع الجنائز، الإحسان إلي الآخرين، أداء الأمانات إلي أهلها، دوام التبسم والبشر، إتقان العمل.
وعلينا بعد كل جلسة من هذه الجلسات الإكثار من الاستغفار، ولو أمكن الصلاة - ولتكن صلاة التوبة - قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: ١٣٥)