فشمر عن سواعد الجد وأحسن استخدام الوسائل التي وضعها الإسلام في هذا الشهر المبارك وجمع بين عمل القلب وعمل الجوارح .. ومما لا شك فيه أن الصنف الأخير هو الفائز الأكبر من رمضان فلقد أصلح من خلاله قلبه وانطلق به في طريق السائرين إلي الله ....
- علامات صلاح القلب:
فإن قال قائل: وما علامة صلاح القلب التي ينشدها رمضان؟
عندما يستيقظ الإيمان، وتشتعل جذوته في القلب فإن أمارات الصلاح تظهر بوضوح على الجوارح مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) فترى صاحب هذا القلب مسارعاً في الخيرات معظماً لشعائر الله مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)} (الحج) تتحقق فيه المبادأة و الذاتية: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤)} (التوبة) سريع الإستجابة للتوجيه والنصح: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (البقرة:٢٣٢) وتراه كذلك زاهداً في الدنيا راغباً فيما عند الله قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل النور القلب أنشرح وأنفتح)) قالوا: يا رسول الله وما علامة ذلك؟ قال: ((الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والإستعداد للموت قبل نزوله)).
فإذا كانت هذه بعض علامات تحقيق الهدف فإنه يبق السؤال حول كيفية الوصول إليه؟
إن الوسائل معروفه لدينا، بل مارسنا أغلبها من قبل، ولكن الجديد هو كيف نتعامل معها، ونستفيد منها لنصل إلي الغاية المنشودة من رمضان.
ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلى قسمين رئيسيين: قسم يصلح من خلاله العبد ما بينه وبين الله، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الجانب الشعوري الوجداني.
أما القسم الأخر فيختص بعلاقة الفرد بمجتمعه ويسمى الجانب السلوكي الاجتماعي.
ولا يمكن الإستغناء بأحد القسمين عن الأخر، فكلاهما له دور في إنجاح مهمة المسلم على الأرض، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (النساء:١٢٥) فإسلام الوجه لله - وهو أمر شعوري ووجداني لابد أن يصاحبه إحسان إلى الخلق، ومن الخطأ الذي يقع فيه البعض التركيز على جانب دون الأخر ... فالذي يعطى جل جهده فيما يصلح بينه وما بين الله تاركا كل ما يعود بالنفع على الناس: إيمانه ناقص، فالإيمان قول وعمل .. بل إن من أهم نتائج الأعمال الصالحة أنها تزيد إيمان صاحبها وتثبت قواعده في قلبه، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:١٠) جاء في بعض الأثر: إن العبد إذا قال لا إله إلا الله بنية صادقه نظرت الملائكة إلي عملة، فإن كان موافقاً لقوله، صعدا جميعاً، وإن كان العمل مخالفاً وقف قوله حتى يتوب من عمله.
وفى المقابل فإن الإنشغال بالعمل والحركة وسط الناس لقضاء حوائجهم، وحل مشكلاتهم، وإسداء النفع لهم دون أن يصاحب ذلك وجود قلب حي متصل بالله أمر خطير من شأنه أن يحدث أثر سلبياً في نفس صاحبه، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر فقال: ((مثل الذي يعلم الناس الخير، وينسى نفسه مثل الفتيلة، تضيء للناس وتحرق نفسها)).
ويقول الرافعي: إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك.
فلا بد من وجود الأمرين معا ليشكل كل منهما طرفا تنعقد به العروة الوثقى كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (لقمان:٢٢).