للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهنا لفتة طيبة ذكرها د. عبد الستار فتح الله، وهي أن الله عز وجل فرض علي رسوله قيام الليل بنزول سورة المزمل .. وسورة المزمل من أوائل ما نزل من القرآن .. فكيف يحيى ما يقرب من نصف الليل بآيات قليلة هي كل ما نزل من القرآن في هذه الفترة؟

إذاً فالمقصد طول السجود مع القيام والركوع.

فمناجاة الله في السجود لمن أعظم صور الفرار إليه سبحانه واسترضائه، وطلب العفو والصفح منه وإظهار الذل والخضوع له .. وفيه يقدم العبد طلباته ويرفع حاجاته.

اسجد واقترب:

إذا أردنا أن تحقق السجدة هدفها، فنقترب من خلالها إلي الله شيئاً فشيئاً كما قال سبحانه وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: ١٩) علينا أن نجعلها سجدة حارة تنسكب فيها الدموع لتكون مداد رسائلنا إلى مولانا.

قال عبد الله بن المبارك:

إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع

لهم تحت الظلام وهم سجو ... أنين منه تنفرج الضلوع

ماذا نفعل لو حرمنا القيام؟!

قد نأخذ بجميع الأسباب المعينة على الإستيقاظ للتهجد ثم نفاجأ بأذان الفجر. فماذا نفعل؟! إنها رسالة من الله عز وجل تحمل لنا معاني كثيرة: منها أن هذا الحرمان قد يكون بسبب ذنب أذنبناه أو تقصير في حق من الحقوق .. ومنها أن الرغبة في القيام لم تكن أكيدة .. ومنها أنها قد تكون ابتلاء من الله لينظر ماذا سنفعل ..

فإذا حدث ذلك فعلينا بالفرار إلى الله في الصلاة والدعاء نسترضيه ونستغفره ونتملقه عساه يعفو عنا .. وعلينا أيضا بصدقة السر فإنها تطفىء غضب الرب.

ومن توصيات الرسول صلى الله عليه وسلم أن من فاتته صلاته بالليل فليصلها ما بين صلاة الفجر والظهر كما روى الإمام مسلم في صحيحه.

وفى بعض الأحوال قد نستيقظ قبل الفجر وعندما نبدأ في الصلاة نفاجأ بهروب قلوبنا منا في أودية الدنيا وكلما حاولنا جمعها مع الله فرت منا فماذا نفعل؟! يقول ابن الجو زى: إذا جلست في ظلام الليل بين يدي سيدك، فاستعمل أخلاق الأطفال، فإن الطفل إذا طلب من أبيه شيئاً فلم يعطه بكى عليه.

فعلينا في هذه الحالة بالإلحاح والإلحاح على الله عز وجل والإستغفار مرات ومرات حتى يفتح لنا الباب ألم يقل سبحانه: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} (الأنعام: ٤٣) فعدم القيام أو حرمان حلاوة المناجاة وإقبال القلب على الله عقوبة منه سبحانه تستوجب تضرعاً وإلحاحاً واستغفاراً لعله يرانا على هذا الحال فيعفو عنا.

- خامسا: الإستفادة من الأوقات الفاضلة

يقول ابن رجب: جعل الله سبحانه وتعالى لبعض الشهور فضلاً على بعض، كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيراً من ألف شهر .. وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى وظيفة من وظائف طاعاته يتقرب بها إليه، ولله فيها لطيفه من نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من أغتنم مواسم الشهور والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات يسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من لفحات ويقول صلى الله عليه وسلم ((إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا)).

هذه النفحات بلا شك ستصيب من يتعرض لها أما الغافل عنها فأحسن الله عزاءه.

<<  <   >  >>