للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[اتجاه الزمن وتقويم الحركة]

تتفاوت آراء فلاسفة التاريخ في تحديد اتجاه حركته، وتقويمها، فرأي مال إلى الاعتقاد بالتقدم الصاعد (١)، وأن الإنسانية تتجه عن طريق التراكم إلى تطور متتابع صاعد، وأن الجديد يفْضُل القديم لزومًا.

وقد أسهم هذا الرأي في إثارة إشكاليات الحضارة العالمية أو العولمة، وقضية التراث والمعاصرة، وصراع القديم والجديد، بحسم مبدئي لصالح الجديد والمعاصر، بما أن الإنسان كلما كبر ازداد علمًا وحكمة، وكذلك هي الإنسانية في حركتها التاريخية! لا نختلف في أن التراكم برهان ممكن لقياس التطور، إلا أنه مقياس كمي صامت عن أية دلالة نوعية، إذ إن المتأخر لا يتبنى كل ما جاء به المتقدم، والتراكم بحد ذاته هو فعل طبيعي لا


(١) تبنّى هذا الرأي فلاسفة اليونان قديمًا، وبيكون وديكارت من بعدهم، وهذا التوجه هو الذي مهّد لفكرة التطور الديالكتيكي بصورتيها؛ المثالية، والمادية، وقد كان لآراء داروين في التطور الطبيعي والبقاء للأصلح أثر كبير في تعزيز الثقة بالتطور الصاعد، الذي تمثل عند نيتشه في فكرة السوبرمان، ينظر: زريق، قسطنطين: في معركة الحضارة، ص ١٤٦، ١٥٢. كما أن نفوذ هذا الاتجاه قد اتسع مع ضغط العولمة، وسيطرة المركزية الغربية، واعتبار الغرب القمة التي استطاعت الإنسانية أن تبلغها في مسيرتها التاريخية، ينظر: نصر، محمد عارف: الحضارة - الثقافة - المدنية، ص٤٠. ويلتقط أدونيس هذا الموقف ويصير من أهم المروجين لنظرية التطور الصاعد في الحقل الأدبي، وسيكون لتنظيراته المستندة إلى هذا الوعي أثرها في تحديد مفهوم الحداثة والموقف من التراث، يقول: "إن الوضع الجديد متقدم، نوعيًا، في حركته العامة، على الوضع الماضي"، أدونيس، علي أحمد سعيد: الثابت والمتحول، ٣/ ٥٦.

<<  <   >  >>