سلبية تقوم على اليأس والخوف والأنانية، وتدعم الانهيار وتؤصله؛ ليغدو هو الواقع الطبيعي، والأفق الممكن، ولتعود الحضارة إلى وضعها الجنيني منتظرة طلقة ولادة بعيدة أو قريبة، ولكنها بالتأكيد مؤلمة ومستهلَّة بالبكاء!!
فما هي العلل التي تفصم عُرى العلاقة بين الفكرة والمصلحة، وكيف تفقد الفكرة سلطانها الذي كان كفيلاً بتأجيج الانتفاضة الحضارية، ولماذا يخبو الدافع الحضاري لتتخامد من أجل ذلك الطاقة المحرِّكة؟! ولما كانت الإجابة عن هذه الأسئلة واسعة ومتشعبة العناصر، فقد وجب صياغتها صياغة تبرز العوامل الجوهرية، والعلل الكلية التي تقدر على أن تستوعب العناصر الجزئية داخلها وتلمّ شعثها. وسوف نبدأ من أبرز تلك العوامل وأهمها:
- اليقين المتهرِّئ، والأمل المستنفَد:
مهما كانت أهمية الفكرة المؤسِّسة بوصفها مولِّدًا حضاريًا، ومهما امتلكت من إمكانات لخلق حضارة قوية متوازنة، فإنها تفلس وتكون عاجزة إذا افتقدت اليقين الذي يجعلها كينونة إنسانية فعّالة وطاقة محركة، لتتحول إلى تراث، أو أفكار مجردة معطَّلة ليس لها أن تحرِّك أو تؤثّر. إنه باليقين تتحدّ الفكرة بالذات وتلتحم بالإنسان لتكتسب كينونتها الإنسانية الحية، وعن اليقين تتولد شرارة الطاقة الدافعة التي تحول الفكرة إلى قوة فعّالة ومؤثرة على مستوى الحياة والواقع، وباليقين يتولد الأملُ إدامُ الحضارة اليومي الذي يغري بالمستقبل ويحرض على اختراق مجهوله، ويمنح القوة للصبر على بلواء الواقع ومقاومته.