للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما يخفف من تسارع الانهيار أن الإنجازات التي تحققها الحضارة، والمكاسب التي تحرزها، تغدو إمكانًا من إمكانات الحضارة، ووقودًا إضافيًا للطاقة، ودافعًا موضوعيًا للحركة، وذلك بالاستناد إلى قيمتين: الأولى قوة التأثير الذاتية للإنجازات ومجال هذا التأثير، والثانية تراكم الإنجازات. فإذا ما تعطل الدافع الإنساني، قيمًا كان أو مصلحة، تابعت الحضارة اندفاعها على استحياء حتى تُستنفَد الطاقة الذاتية المختزنة في إنجازاتها، وإلى أن يتخلخل ذاك التراكم الصلب الذي يستند إليه ثباتها.

ويحدث أن تتخامد الطاقة في صورها كلها، وتضيع الإمكانات أو تتشتت أو يُضرَب بعضها ببعض، وتتعطل المصالح أو تُحتكر وتُصادر لصالح فئة قاهرة مسيطرة .. ذلك عهد تغلب فيه عوامل الانهيار وتشيع، ويعين بعض العلل على بعض، ما يولّد دوافع


= ليكون هذا التراكم الأرضية الصلبة لمتابعة خط التطوير الصاعد. ومن ثم تبدأ مظاهر المدنية بالتراجع بقدر تعطل المصالح، وتراكم الآثار السلبية لعوامل الانهيار المباشرة وغير المباشرة، ويتدخل في تسريع عجلة الانهيار أي نوع من أنواع الكوارث المفاجئة، كالاجتياح المغولي للحضارة الإسلامية، وكمخاطر ما يحتمل من استخدام غير رشيد للعلوم الغربية ولقوته النووية، أو ظهور خصم قوي غير متوقع؛ كالصين مثلاً أو ماليزية أو تركية ..
- تمر الحضارة بقفزات نوعية تغير مسار الانهيار المطرد، وما تلك القفزات إلا الدوائر الحضارية الداخلية الداعمة التي تجدد الفكرة الحضارية، فتعدل مسار الهبوط المتوالي وتؤخر الانهيار الشامل. ومنها على سبيل المثال حركة التجديد التي كان الغزالي ملهمها، والأخرى التي قادها محمد بن عبد الوهاب في الحضارة الإسلامية، والثورة الفرنسية والثورة الشيوعية في الغرب. وقد أهمل المخططان رصد هذه القفزات، واكتفيا برصد الخطة التاريخية الكلية.

<<  <   >  >>