للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= هي الشريان المغذي للقوة العسكرية وخزان وقودها ودافعها المباشر، ترتبك هذه بضعف تلك، وتتوقد بتوقدها. إننا نعلم أن الحضارة الإسلامية انطلقت في ظل انعدام الموارد والإمكانات، لتواجه أقوى دولتين في العالم لذلك الحين، واستطاعت أن تفرض إرادتها التاريخية، وتنشر فكرتها الحضارية. إن أهمية هذه الملاحظة تأتي من علاقتها الجوهرية بواقع الأمة المعاصر؛ تفسيرًا وتخطيطًا، وصلتها بمشروع النهضة وصراع الوجود وتحديات البقاء، فعلى ضوئها يغدو صمود المقاومة الفلسطينية في غزة اليوم منطقيًا وذا معنى على الرغم من التفاوت الهائل في القدرات العسكرية والمادية بين الفريقين، لأن الخصم الصهيوني - وهو امتداد للغرب - يستمد قوته من قوة الآلة العسكرية ودرجة التقدم التقني، لا من القوة النفسية المستندة إلى سلطة القيم ودرجة إشعاعها في الذات واتحادها بها، قال الله تعالى: "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين"، (الأنفال/٦٥ - ٦٦). وقد شُرِّع التخفيف استيعابًا لحالة الضعف المرتقبة نتيجة تراجع القيم، ويعوَّض الضعف بآليتين يضمن التقدم توافرهما، هما: العدد والعتاد. ولا يتعارض هذا التحليل مع وجوب الإعداد، والقدرة على إدارة عالم المادة والأشياء، لأن كلامنا هنا محصور بالدافع الحضاري، وهو لا يتطرق إلى الخطط أو الآليات.
- تشهد الحضارة ذروتها المادية؛ العلمية والفكرية والاقتصادية، وتحقق أقصى غاياتها وأضخم إنجازاتها في مرحلة تؤول فيها القيم إلى الانسحاب، وهذه الظاهرة مطردة في التجربتين الإسلامية والغربية، وهي ناجمة عن أن الفكرة تطلق شرارة اندفاع الحركة المادية للحضارة، وبما أنها تغتذي من رافدين أحدهما الفكرة والآخر المصلحة، فإن انسحاب الفكرة التدريجي يسمح باستمرار فعالية المصالح المحتواة داخلها ويحميها، والمصلحة تعزز المنافسة، والمنافسة تحسّن الأداء، كما يسمح المدى الزمني الذي يتطلبه انسحاب القيم بتراكم الإنجازات؛ =

<<  <   >  >>