للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحضاري، أدّت التحديات، والانهيار الكامل داخل تلك المجتمعات، وافتقاد أدنى مستويات الاحتياجات الضرورية للإنسان، وغياب الأمن وانتشار الحروب والفقر والجهل والظلم .. كل ذلك أدى إلى تكريس مشاعر اليأس، وتشجيع المغامرات غير مضمونة النتائج بديلاً لواقع مضمون التردي، بل إن الصعوبات والمعاناة نفسها منحت النفس الغربية خصائص رجل الحضارة؛ كالجلد والصلابة وتحمل المسؤولية والاندفاع وحملته على الجرأة على المغامرات التي تمثّلت في حركة الاستعمار، ورحلات الكشوف التي وفّرت موارد اقتصادية ضخمة لحركة العلوم، وللنهوض بذلك الواقع. وهذا يذكرنا بكلام توينبي عن دور التحديات في نشوء الحضارات، وهو يعني أيضًا أن القوة الاقتصادية كانت من أهم العوامل التي دعمت حركة النهوض الغربي، وهي التركة الإيجابية لمرحلة الانحطاط، بالإضافة إلى أخلاقيات الدين المسيحي. أما ميراث مرحلة ما قبل الحضارة في التجربة الحضارية الإسلامية فهو "القيم"، ولذلك أكد النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق، ولهذا أيضًا كان لهذا الدين أن يظهر في عرب الجاهلية لا في غيرهم!! وتتشارك الحضارتان في أن ظروف القلة أوجدت الذخيرة الأولية لأية حضارة، ألا وهي الإنسان السويّ، أو رجل الحضارة، غير الملتاث بدنس الترف، ولا أمراض المدنية، والمتحلي بالصبر والجلد، والآخذ بزمام المبادرة، غير المعتاد على الاتكاء على الأشياء ..
- الفكرة الحضارية الإسلامية فكرة دينية تمدّ الوجود الإنساني وحدود إنجازاته إلى عالم غيبي يقيني يدخل في اعتبارات الغاية والفعل والإنجاز، وعلى الرغم من أن الفكرة الحضارية تفرض سلطانها على إنجازات الحضارة كلها، وتطبعها بطابعها الخاص، فإن الملاحظ أن الإنجاز العسكري مرتبط في الحضارة الإسلامية ارتباطًا وثيقًا بالقيم؛ قوة وضعفًا، ولهذا فإنهما يكادان يتطابقان في مؤشرين متوازيين تمام التوازي، وإذا كان مفهومًا - استنادًا إلى التوضيح المعروض في متن هذه الدراسة - أن يفارق مؤشر القيم خطة سير مؤشري المصلحة والإنجازات المعرفية والاقتصادية، فإن الفريد في التجربة الإسلامية أن مؤشر القوة العسكرية يلحق بمؤشر القيم لا بالمؤشرين الآخرين، لأن القيم الإسلامية =

<<  <   >  >>