(٢) قد يعجب القارئ من أننا جعلنا المعرفة ندًا للفكرة الحضارية، أو منافسًا لها، وهما على ما يبدو كينونة واحدة! الواقع أن الفكرة الحضارية تمتاز من النتاج المعرفي العام للأمة، ذلك أن المعرفة تجسّد للفكرة في الحقل المعرفي والعلمي، سواء منه النظري أو التطبيقي، والفكرة هي التي تعطي النتاج المعرفي هويته وطبيعته ومحتواه، وتفرض آلياته كذلك. كما أن الفكرة الحضارية المحرِّكة ترتبط بالإنسان والحياة؛ أي هي معرفة حية ضرورةً، معرفة تبرز من خلال المواقف والممارسات لا عبر الكتب والتحليلات، وقد علمنا أن الفكرة الحضارية الإسلامية وقيمها تجسدت في حياة الأفراد وسلوكهم وفي نظام الأمة الاجتماعي كله؛ ولذلك كان لها أن تحرك الحضارة. وكذلك الفكرة الغربية قُدِّر لها الوجود من خلال مواقف الصمود والثبات التي وقفها رواد هذه الحضارة، والدماء التي هريقت لأجلها، لا بسبب من دراسات نظرية وفذلكات علمية مجردة فقط.