للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي مقابل نظرية التقدم الصاعد، ولدت نظريات يغلب عليها التشاؤم والعبثية والاستلاب، كالرأي القائل بالتأخر والنكوص والعودة إلى البدائية (١)، أو بالعشوائية ونفي النظام (٢)، أو بالانقطاع التاريخي (٣). وتبقى نظرية الدورات المتكررة (٤)

هي التفسير الأسلم


(١) ويسيطر هذا الرأي في عصور الاضطراب والانحطاط حين يسود الشك واليأس، ولكثير من الأعلام أقوال تصب في هذا الاتجاه، ولعل روسو من أبرز المبشرين به، ينظر: زريق، قسطنطين: في معركة الحضارة، ص١٥٥.
(٢) ويعد فيشر المؤرخ الإنكليزي من أهم الدعاة والمؤمنين بهذا الرأي، ينظر: زريق، قسطنطين: في معركة الحضارة، ص١٤٧ - ١٤٨.
(٣) مؤدّى نظرية الانقطاع التاريخي هو نفي التراث التاريخي لجماعة من البشر، وإعادة هيكلتهم وفقاً لمعايير الترشيد والتحديث. ينظر: حبيب، رفيق: تفكيك الديموقراطية، ص٦٤ وما بعد، ٨٤ وما بعد.
(٤) للزمن حركتان - كما قلنا - كلية وجزئية، والحركة الكلية هي حركة التاريخ العام، وهي في الفهم الإسلامي تحديدًا، ذات اتجاه دائري يبدأ من مصدر واحد مطلق؛ هو الله تعالى، وإليه ينتهي. كما أنها حركة قهرية لا تدخل في حيز الإرادة الإنسانية، أما الحركة الجزئية فهي دورية، أي إن القيم فيها متبدلة على خط الزمن العام، وبالإمكان أن ترجع إلى لحظة السكون التي انطلقت منها، في حين أن خط الزمن العام لا يحمل قيمًا في ذاته وحركته ماضية بغض النظر عن القيم المتبدلة على جانبيه (ينظر المخطط رقم١).

المخطط رقم (١)

وهذا الوصف يقترب من تشبيه توينبي لحركة الحضارة بدوران العجلة حول محور ثابت، إذ هو يعقّب شارحًا: "ولعل هذا التجانس في الحركتين المتباينتين - حركة رئيسة لا يأتيها الباطل، نشأت على أجنحة حركة متكررة أقل شأنًا - هو جوهر ما نقصده بكلمة "الإيقاع"." ينظر: توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ١/ ٤٢٥.

<<  <   >  >>