للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التأثير وتصبح تابعًا سلبيًا لدول المركز؛ سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا (١)! وتبقى أمم تقاوم استلاب الهوية مستعينة بزادها العريض من التاريخ والمجد، وبإحساسها بخصوصيتها الثقافية، وتعمل التحديات على تحفيز الإحساس بتلك الخصوصية.

إذًا .. فنظرية وحدة الحضارة الإنسانية خرافة يراد بها خداع الشعوب الضعيفة وتذويبها لصالح الحضارة المتفوقة، على الرغم من أن تلك الوحدة حقيقة تستند إلى ميراث إنساني واحد يُتداول بين الشعوب تنتقي منه ما يناسب خصوصياتها، كما أنها تستند قبل ذلك إلى التكوين الإنساني الفطري الذي يتغذى من صيغة غريزية واحدة، وحاجات مشتركة، وشروط متماثلة (٢)، وإن كانت كل أمة تلبي


(١) قلنا إن الحضارة العربية الإسلامية قدّمت نموذجًا فريدًا للعالمية يكون التوسع العسكري فيه وسيلة لتحقيق الانتشار الثقافي دون المساس بالخصوصيات، أو القضاء على خصوبة التنوع، ولم يمنعها النمط السلطوي المركزي للنظام من أن تستوعب داخلها التنوع الثقافي للأمم المفتوحة، فاحتفظت تلك الأمم بخصوصيتها الثقافية، أو عدلت فيها بما ينسجم مع ضرورات العقيدة الجديدة، ولم تخسر مع ذلك تمايزها وأصالتها وصانت تقاليدها ولغاتها المحلية، بل إن تنوع الأزياء التقليدية في الدول الإسلامية مع محافظتها على الشروط اللائقة بالزي الإسلامي يشهد بتلك الحقيقة، في حين أن الزي الغربي الموحد يغزو العالم كله اليوم، وينتهك حرمة الخصوصية الثقافية!! لقد اعتبرت الحضارة الإسلامية الاختلاف خصوبة وثراء، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"، (هود /١١٨ - ١١٩)، "وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون"، (يونس/١٩).
(٢) يقول مورفي العالم في الأجناس البشرية: "إن المشابهات في أفكار الإنسان وعاداته، تردّ بصفة خاصة إلى التشابه في تكوين المخ البشري في كل مكان، وإلى ما يترتب على ذلك من طبيعة عقله. ولما كان تركيب هذا العضو الطبيعي واحدًا في جميع مراحل تاريخ الإنسان المعروفة، في مزاجه وفي عملياته العصبية، فإن للعقل كذلك طائفة عامة من الخواص والقوى وأساليب العمل .. "، نقلاً عن: توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، ١/ ٦٨.

<<  <   >  >>